كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَوْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ} [آل عمران: 119] «أَيْ بِكِتَابِكُمْ وَكِتَابِهِمْ، وَبِمَا مَضَى مِنَ الْكُتُبِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِكِتَابِكُمْ، فَأَنْتُمْ أَحَقُّ بِالْبَغْضَاءِ لَهُمْ مِنْهُمْ لَكُمْ» وَقَالَ: {هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ} وَلَمْ يَقُلْ: «هَؤُلَاءِ أَنْتُمْ» ، فَفَرَّقَ بَيْنَ «هَا، وَأُولَاءِ» بِكِنَايَةِ اسْمِ الْمُخَاطَبِينَ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَذَلِكَ تَفْعَلُ فِي هَذَا إِذَا أَرَادَتْ بِهِ التَّقْرِيبَ وَمَذْهَبُ النُّقْصَانِ لِلَّذِي يَحْتَاجُ إِلَى تَمَامِ الْخَبَرِ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يُقَالَ لِبَعْضِهِمْ: أَيْنَ أَنْتَ؟ فَيُجِيبُ الْمَقُولُ ذَلِكَ لَهُ: هَا أَنَا ذَا، فَيُفَرِّقُ بَيْنَ التَّنْبِيهِ وَ «ذَا» بِمَكْنِيِّ اسْمِ نَفْسِهِ، وَلَا يَكَادُونَ يَقُولُونَ: هَذَا أَنَا، ثُمَّ يُثَنَّى وَيُجْمَعُ عَلَى ذَلِكَ، وَرُبَّمَا أَعَادُوا حَرْفَ التَّنْبِيهِ مَعَ ذَا، فَقَالُوا: هَا أَنَا هَذَا وَلَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ إِلَّا فِيمَا كَانَ تَقْرِيبًا، فَأَمَّا إِذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ التَّقْرِيبِ وَالنُّقْصَانِ، قَالُوا: هَذَا هُوَ، وَهَذَا أَنْتَ، وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ مَعَ الْأَسْمَاءِ الظَّاهِرَةِ، يَقُولُونَ: هَذَا عَمْرٌو قَائِمًا، إِنْ كَانَ هَذَا تَقْرِيبًا، وَإِنَّمَا فَعَلُوا ذَلِكَ فِي الْمَكْنِيِّ مَعَ التَّقْرِيبِ تَفْرِقَةً بَيْنَ هَذَا إِذَا كَانَ بِمَعْنَى النَّاقِصِ الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَى تَمَامٍ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إِذَا كَانَ بِمَعْنَى الِاسْمِ الصَّحِيحِ. وَقَوْلُهُ: {تُحِبُّونَهُمْ} [آل عمران: 119] خَبَرٌ لِلتَّقْرِيبِ. وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ إِبَانَةٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ حَالِ الْفَرِيقَيْنِ، أَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ، وَرَحْمَةِ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَرَأْفَتِهِمْ بِأَهْلِ الْخِلَافِ لَهُمْ، وَقَسَاوَةِ قُلُوبِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَغِلْظَتِهِمْ عَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ