الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [آل عمران: 117] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: شِبْهُ مَا يُنْفِقُ الَّذِينَ كَفَرُوا: أَيْ شِبْهُ مَا يَتَصَدَّقُ بِهِ الْكَافِرُ مِنْ مَالِهِ، فَيُعْطِيهِ مَنْ يُعْطِيهِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ إِلَى رَبِّهِ، وَهُوَ لِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ جَاحِدٌ وَلِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُكَذِّبٌ فِي أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ نَافِعِهِ مَعَ كُفْرِهِ، وَأَنَّهُ مُضْمَحِلٌّ عِنْدَ حَاجَتِهِ إِلَيْهِ ذَاهِبٌ بَعْدَ الَّذِي كَانَ يَرْجُو مِنْ عَائِدَةِ نَفْعِهِ عَلَيْهِ، كَشِبْهِ رِيحٍ فِيهَا بَرْدٌ شَدِيدٌ {أَصَابَتْ} [آل عمران: 117] هَذِهِ الرِّيحُ الَّتِي فِيهَا الْبَرْدُ الشَّدِيدُ {حَرْثَ قَوْمٍ} [آل عمران: 117] يَعْنِي زَرْعَ قَوْمٍ، قَدْ أَمَّلُوا إِدْرَاكَهُ، وَرَجَوْا رِيعَهُ وَعَائِدَةَ نَفْعِهِ، {ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} [آل عمران: 117] يَعْنِي أَصْحَابَ الزَّرْعِ، عَصَوُا اللَّهَ، وَتَعَدَّوْا حُدُودَهُ {فَأَهْلَكَتْهُ} [آل عمران: 117] يَعْنِي فَأَهْلَكَتِ الرِّيحُ الَّتِي فِيهَا الصِّرُّ زَرْعَهُمْ ذَلِكَ، بَعْدَ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الْأَمَلِ، وَرَجَاءَ عَائِدَةِ نَفْعِهِ عَلَيْهِمْ،