ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَمَا قَالُوا لَكَانَ الَّذِينَ قَالُوا: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران: 8] بِالذَّمِّ أَوْلَى مِنْهُمْ بِالْمَدْحِ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ لَوْ كَانَ كَمَا قَالُوا، لَكَانَ الْقَوْمُ إِنَّمَا سَأَلُوا رَبَّهُمْ مَسْأَلَتَهُمْ إِيَّاهُ أَنْ لَا يَزِيغَ قُلُوبَهُمْ أَنْ لَا يَظْلِمَهُمْ وَلَا يَجُورَ عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ مِنَ السَّائِلِ جَهْلٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثناؤُهُ لَا يَظْلِمُ عِبَادَهُ وَلَا يَجُورُ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ أَعْلَمَ عِبَادَهُ ذَلِكَ، وَنَفَاهُ عَنْ نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46] وَلَا وَجْهَ لِمَسْأَلَتِهِ أَنْ يَكُونَ بِالصِّفَةِ الَّتِي قَدْ أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ بِهَا، وَفِي فَسَادِ مَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ الدَّلِيلُ الْوَاضِحُ عَلَى أَنَّ عَدْلًا مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِزَاغَةُ مَنْ أَزَاغَ قَلْبَهُ مِنْ عِبَادِهِ عَنْ طَاعَتِهِ، فَلِذَلِكَ اسْتَحَقَّ الْمَدْحَ مَنْ رَغِبَ إِلَيْهِ فِي أَنْ لَا يُزِيغَهُ لِتَوْجِيهِهِ الرَّغْبَةَ إِلَى أَهْلِهَا وَوَضْعِهِ مَسْأَلَتَهُ مَوْضِعَهَا، مَعَ تَظَاهُرِ الْأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَغْبَتِهِ إِلَى رَبِّهِ فِي ذَلِكَ مَعَ مَحَلِّهِ مِنْهُ، وَكَرَامَتِهِ عَلَيْهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015