الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة: 285] وَأَمَّا قَوْلُهُ: {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة: 285] فَإِنَّهُ أَخْبَرَ جَلَّ ثناؤُهُ بِذَلِكَ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ. فَفِي الْكَلَامِ فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ: {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة: 285] بِالنُّونِ مَتْرُوكٌ قَدِ اسْتَغْنَى بِدَلَالَةِ مَا ذُكِرَ عَنْهُ، وَذَلِكَ الْمَتْرُوكُ هُوَ «يَقُولُونَ» . وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، يَقُولُونَ: لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ، وَتُرِكَ ذِكْرُ «يَقُولُونَ» لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، كَمَا تُرِكَ ذِكْرُهُ فِي قَوْلِهِ: {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ} [الرعد: 24] بِمَعْنَى: يَقُولُونَ سَلَامٌ. وَقَدْ قَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ: «لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ» بِالْيَاءِ، بِمَعْنَى: وَالْمُؤْمِنُونَ كُلُّهُمْ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، لَا يُفَرِّقُ الْكَلُّ مِنْهُمْ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ، فَيُؤْمِنُ بِبَعْضٍ، وَيَكْفُرُ بِبَعْضٍ، وَلَكِنَّهُمْ يُصَدِّقُونَ بِجَمِيعِهِمْ، وَيُقِرُّونَ أَنَّ مَا جَاءُوا بِهِ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَأَنَّهُمْ دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَإِلَى طَاعَتِهِ، وَيُخَالِفُونَ فِي فِعْلِهِمْ ذَلِكَ الْيَهُودَ الَّذِينَ أَقَرُّوا بِمُوسَى وَكَذَّبُوا عِيسَى، وَالنَّصَارَى الَّذِينَ أَقَرُّوا بِمُوسَى وَعِيسَى وَكَذَّبُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَحَدُوا نُبُوَّتَهُ، وَمَنْ أَشْبَهَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بَعْضَ رُسُلِ اللَّهِ، وَأَقَرُّوا بِبَعْضِهِ