الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273] يُقَالُ: قَدْ أَلْحَفَ السَّائِلُ -[30]- فِي مَسْأَلَتِهِ إِذَا أَلَحَّ فَهُوَ يُلْحِفُ فِيهَا إِلْحَافًا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَفَكَانَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ يَسْأَلُونَ النَّاسَ غَيْرَ إِلْحَافٍ؟ قِيلَ: غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ كَانُوا يَسْأَلُونَ النَّاسَ شَيْئًا عَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ إِلْحَافًا أَوْ غَيْرَ إِلْحَافٍ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَصَفَهُمْ بِأَنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ تَعَفُّفٍ، وَأَنَّهُمْ إِنَّمَا كَانُوا يُعْرَفُونَ بِسِيمَاهُمْ، فَلَوْ كَانَتِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ شَأْنِهِمْ لَمْ تَكُنْ صِفَتُهُمُ التَّعَفُّفَ، وَلَمْ يَكُنْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عِلْمِ مَعْرِفَتِهِمِ بِالْأَدِلَّةِ وَالْعَلَامَةِ حَاجَةٌ، وَكَانَتِ الْمَسْأَلَةُ الظَّاهِرَةُ تُنْبِئُ عَنْ حَالِهِمْ وَأَمْرِهِمْ