ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ} [البقرة: 269] الْآيَةَ، قَالَ: «الْحِكْمَةُ هِيَ النُّبُوَّةُ» وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مَعْنَى الْحِكْمَةِ، وَأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْحُكْمِ وَفَصْلِ الْقَضَاءِ، وَأَنَّهَا الْإِصَابَةُ بِمَا دَلَّ عَلَى صِحَّتِهِ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ تَكْرِيرِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ مَعْنَاهُ، كَانَ جَمِيعُ الْأَقْوَالِ الَّتِي قَالَهَا الْقَائِلُونَ الَّذِينَ ذَكَرْنَا قَوْلَهُمْ فِي ذَلِكَ دَاخِلًا فِيمَا قُلْنَا مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِصَابَةَ فِي الْأُمُورِ إِنَّمَا تَكُونُ عَنْ فَهْمٍ بِهَا وَعِلْمٍ وَمَعْرِفَةٍ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَ الْمُصِيبُ عَنْ فَهْمٍ مِنْهُ بِمَوَاضِعِ الصَّوَابِ فِي أُمُورِهِ فَهَمًا خَاشِيًا لِلَّهِ فَقِيهًا عَالِمًا، وَكَانَتِ النُّبُوَّةُ مِنْ أَقْسَامِهِ؛ لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ مُسَدَّدُونَ مُفَهَّمُونَ، وَمُوَفَّقُونَ لِإِصَابَةِ الصَّوَابِ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ، وَالنُّبُوَّةُ بَعْضُ مَعَانِي الْحِكْمَةِ. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: يُؤْتِي اللَّهُ إِصَابَةَ الصَّوَابِ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ مَنْ يَشَاءُ، وَمَنْ يُؤْتِهِ اللَّهُ ذَلِكَ فَقَدْ آتَاهُ خَيْرًا كَثِيرًا