وَقَوْلُهُ: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا} [الإنسان: 20] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَإِذَا نَظَرْتَ بِبَصَرِكَ يَا مُحَمَّدُ، وَرَمَيْتَ بِطَرْفِكَ فِيمَا أَعْطَيْتُ هَؤُلَاءِ الْأَبْرَارَ فِي الْجَنَّةِ مِنَ الْكَرَامَةِ. وَعَنَى بِقَوْلِهِ: {ثَمَّ} [البقرة: 28] الْجَنَّةُ {رَأَيْتَ نَعِيمًا} [الإنسان: 20] وَذَلِكَ أَنَّ أَدْنَاهُمُ مَنْزِلَةً مَنْ يَنْظُرُ فِي مُلْكِهِ فِيمَا قِيلَ فِي مَسِيرَةِ أَلْفَيْ عَامٍ، يَرَى أَقْصَاهُ، كَمَا يَرَى أَدْنَاهُ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ لَمْ يُذْكَرْ مَفْعُولُ رَأَيْتُ الْأَوَّلُ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُرِيدُ رُؤْيَةً لَا تَتَعَدَّى، كَمَا تَقُولُ: ظَنَنْتُ فِي الدَّارِ، أَخْبَرَ بِمَكَانِ ظَنِّهِ، فَأُخْبِرَ بِمَكَانِ رُؤْيَتِهِ. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَاهُ: وَإِذَا رَأَيْتَ مَا ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا؛ قَالَ: وَصَلَحَ إِضْمَارُ مَا كَمَا قِيلَ: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} [الأنعام: 94] يُرِيدُ: مَا بَيْنَكُمْ؛ قَالَ: وَيُقَالُ: إِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ يُرِيدُ: إِذَا نَظَرْتَ ثَمَّ، أَيْ إِذَا رَمَيْتَ بِبَصَرِكَ هُنَاكَ رَأَيْتَ نَعِيمًا.