وَقَوْلُهُ: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} [القمر: 54] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا عِقَابَ اللَّهِ بِطَاعَتِهِ وَأَدَاءِ فَرَائِضِهِ، وَاجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ فِي بَسَاتِينِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَأَنْهَارٍ، -[167]- وَوَحَّدَ النَّهَرَ فِي اللَّفْظِ وَمَعْنَاهُ الْجَمْعُ، كَمَا وَحَّدَ الدُّبُرَ، وَمَعْنَاهُ الْإِدْبَارُ فِي قَوْلِهِ: {وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} [القمر: 45] وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي سَعَةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَضِيَاءٍ، فَوَجَّهُوا مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَنَهَرٍ} [القمر: 54] إِلَى مَعْنَى النَّهَارِ وَزَعَمَ الْفَرَّاءُ أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضَ الْعَرَبِ يُنْشِدُ:
إِنْ تَكُ لَيْلِيًّا فَإِنِّي نَهِرْ ... مَتَى أَتَى الصُّبْحُ فَلَا أَنْتَظِرْ
وَقَوْلُهُ: «نَهَرٍ» عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: نَهَرْتُ أَنْهَرُ نَهْرًا وَعَنَى بِقَوْلِهِ: فَإِنِّي نَهِرْ ": أَيْ إِنِّي لَصَاحِبُ نَهَارٍ: أَيْ لَسْتُ بِصَاحِبِ لَيْلَةٍ