مِنَ النَّفْرِ اللَّائِي الَّذِينَ إِذَا هُمُ ... يَهَابُ اللِّئَامُ حَلْقَةَ الْبَابِ قَعْقَعُوا

فَجَمَعَ بَيْنَ اللَّائِي وَالَّذِينَ، وَأَحَدُهُمَا مُجْزِئٌ مِنَ الْآخَرِ؛ وَكَقَوْلِ الْآخَرِ فِي الْأَدَوَاتِ:

مَا إِنْ رَأَيْتُ وَلَا سَمِعْتُ بِهَ ... كَالْيَوْمِ طَالِيَ أَيْنُقٍ جُرْبِ

فَجَمَعَ بَيْنَ «مَا» وَبَيْنَ «إِنْ» ، وَهُمَا جَحْدَانِ يُجْزِئُ أَحَدُهُمَا مِنَ الْآخَرِ وَأَمَّا الْآخَرُ: فَهُوَ لَوْ أَنَّ ذَلِكَ أُفْرِدَ بِمَا، لَكَانَ خَبَرًا عَنْ أَنَّهُ حَقٌّ لَا كَذِبٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ الْمَعْنِيَّ بِهِ وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِهِ: أَنَّهُ لَحَقٌّ كَمَا حَقٌّ أَنَّ الْآدَمَيَّ نَاطِقٌ أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْلَكَ: أَحَقٌّ مَنْطِقُكَ، مَعْنَاهُ: أَحَقٌّ هُوَ أَمْ كَذِبٌ، وَأَنَّ قَوْلَكَ أَحَقٌّ أَنَّكَ تَنْطِقُ مَعْنَاهُ لِلِاسْتِثْبَاتِ لَا لِغَيْرِهِ، فَأُدْخِلَتْ «أَنَّ» لَيُفْرَقَ بِهَا بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ قَالَ: فَهَذَا أَعْجَبُ الْوَجْهَيْنِ إِلَيَّ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: {مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ} [الذاريات: 23] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ {مِثْلَ مَا} [الذاريات: 23] نَصْبًا بِمَعْنَى: إِنَّهُ لَحَقٌّ حَقًّا يَقِينًا كَأَنَّهُمْ وَجَّهُوهَا إِلَى مَذْهَبِ الْمَصْدَرِ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَصْبُهَا مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْعَرَبَ تَنْصِبُهَا إِذَا رَفَعَتْ بِهَا الِاسْمَ، فَتَقُولُ: مِثْلُ مَنْ عَبْدُ اللَّهِ، وَعَبْدُ اللَّهِ مِثْلُكَ، وَأَنْتَ مِثْلُهُ، وَمِثْلُهُ رَفْعًا وَنَصْبًا وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَصَبَهَا عَلَى مَذْهَبِ الْمَصْدَرِ، إِنَّهُ لَحَقٌّ كَنُطْقِكُمْ وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ، وَبَعْضُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ رَفْعًا (مِثْلُ مَا أَنَّكُمْ)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015