الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى {بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا} [الفتح: 12] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِهَؤُلَاءِ الْأَعْرَابِ الْمُعْتَذِرِينَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ مُنْصَرَفِهِ مِنْ سَفَرِهِ إِلَيْهِمْ بِقَوْلِهِمْ: {شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا} [الفتح: 11] مَا تَخَلَّفْتُمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ شَخَصَ عَنْكُمْ، وَقَعَدْتُمْ عَنْ صُحْبَتِهِ مِنْ أَجْلِ شُغْلِكُمْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَهْلِيكُمْ، بَلْ تَخَلَّفْتُمْ بَعْدَهُ فِي مَنَازِلِكُمْ، ظَنًّا مِنْكُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ سَيَهْلِكُونَ، فَلَا يَرْجِعُونَ إِلَيْكُمْ أَبْدًا بِاسْتِئْصَالِ الْعَدُوِّ إِيَّاهُمْ وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ، وَحَسَّنَ الشَّيْطَانُ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ، وَصَحَّحَهُ عِنْدَكُمْ حَتَّى حَسُنَ عِنْدَكُمُ التَّخَلُّفُ عَنْهُ، فَقَعَدْتُمْ عَنْ صُحْبَتِهِ {وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوءِ} [الفتح: 12] يَقُولُ: وَظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَنْ يَنْصُرَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَعْدَائِهِمْ، وَأَنَّ الْعَدُوَّ سَيَقْهَرُونَهُمْ وَيَغْلِبُونَهُمْ فَيَقْتُلُونَهُمْ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ