وَقَوْلُهُ: {وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي} [الأحقاف: 17] يَقُولُ: أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُبْعَثَ وَقَدْ مَضَتْ قُرُونٌ مِنَ الْأُمَمِ قَبْلِي، فَهَلَكُوا، فَلَمْ يُبْعَثْ مِنْهُمْ أَحَدًا، وَلَوْ كُنْتُ مَبْعُوثًا بَعْدَ وَفَاتِي كَمَا تَقُولَانِ، لَكَانَ قَدْ بُعِثَ مَنْ هَلَكَ قَبْلِي مِنَ الْقُرُونِ {وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ} [الأحقاف: 17] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَوَالِدَاهُ يَسْتَصْرِخَانِ اللَّهَ عَلَيْهِ، وَيَسْتَغِيثَانِهِ عَلَيْهِ أَنْ يُؤْمِنَ بِاللَّهِ، وَيُقِرَّ بِالْبَعْثِ وَيَقُولَانِ لَهُ: {وَيْلَكَ آمِنْ} [الأحقاف: 17] أَيْ صَدِّقْ بِوَعْدِ اللَّهِ، وَأَقِرَّ أَنَّكَ مَبْعُوثٌ مِنْ بَعْدِ وَفَاتِكَ، إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ الَّذِي وَعَدَ خَلْقَهُ أَنَّهُ بَاعِثُهُمْ مِنْ قُبُورِهِمْ، وَمُخْرِجُهُمْ مِنْهَا إِلَى مَوْقِفِ الْحِسَابِ لِمُجَازَاتِهِمْ بِأَعْمَالِهِمْ حَقٌّ لَا شَكَّ فِيهِ فَيَقُولُ عَدُوُّ اللَّهِ مُجِيبًا لِوَالِدَيْهِ، وَرَدًّا عَلَيْهِمَا نَصِيحَتَهُمَا، وَتَكْذِيبًا بِوَعْدِ اللَّهِ: مَا هَذَا الَّذِي تَقُولَانِ لِي وَتَدْعُوَانِي إِلَيْهِ مِنَ التَّصْدِيقِ بِأَنِّي مَبْعُوثٌ مِنْ بَعْدِ وَفَاتِي مِنْ قَبْرِي، إِلَّا مَا سَطَرَهُ الْأَوَّلُونَ مِنَ النَّاسِ مِنَ الْأَبَاطِيلِ، فَكَتَبُوهُ، فَأَصَبْتُمَاهُ أَنْتُمَا فَصَدَّقْتُمَا