وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ عَنَى بِهَا: أَيَّامٍ مَشَائِيمَ ذَاتِ نُحُوسٍ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَعْنَى النَّحِسِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ غَيْرُ نَافِعٍ وَأَبِي عَمْرٍو {فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ} [فصلت: 16] بِكَسْرِ الْحَاءِ، وَقَرَأَهُ نَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو: (نَحْسَاتٍ) بِسُكُونِ الْحَاءِ وَكَانَ أَبُو عَمْرٍو فِيمَا ذُكِرَ لَنَا عَنْهُ يَحْتَجُّ لِتَسْكِينِهِ الْحَاءَ بِقَوْلِهِ: {يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ} [القمر: 19] وَأَنَّ الْحَاءَ فِيهِ سَاكِنَةٌ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ، قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا قُرَّاءُ عُلَمَاءُ مَعَ اتِّفَاقِ مَعْنَيَيْهِمَا، وَذَلِكَ أَنْ تَحْرِيكَ الْحَاءِ وَتَسْكِينَهَا فِي ذَلِكَ لُغَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ، يُقَالُ هَذَا يَوْمُ نَحْسٍ، وَيَوْمُ نَحِسٍ، بِكَسْرِ الْحَاءِ وَسُكُونِهَا؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: أَنْشَدَنِي بَعْضُ الْعَرَبِ:
[البحر البسيط]
أَبْلِغْ جُذَامًا وَلَخْمًا أَنَّ إِخْوَتَهُمْ ... طَيًّا وَبَهْرَاءَ قَوْمٌ نَصْرُهُمْ نَحِسُ
وَأَمَّا مِنَ السُّكُونِ فَقَوْلُ اللَّهِ {يَوْمِ نَحْسٍ} [القمر: 19] ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ:
[البحر الرجز]
يَوْمَيْنِ غَيْمَيْنِ وَيَوْمًا شَمْسًا ... نَجْمَيْنِ بِالسَّعْدِ وَنَجْمًا نَحْسًا
فَمَنْ كَانَ فِي لُغَتِهِ: «َيَوْمِ نَحْسٍ» قَالَ: «فِي أَيَّامٍ نَحْسَاتٍ» ، وَمَنْ كَانَ فِي لُغَتِهِ: {يَوْمِ نَحِسٍ} [القمر: 19] قَالَ: {فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ} [فصلت: 16] ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: النَّحْسُ بِسُكُونِ الْحَاءِ: هُوَ الشُّؤْمُ نَفْسُهُ، وَإِنَّ إِضَافَةَ الْيَوْمِ إِلَى النَّحْسِ، إِنَّمَا هُوَ إِضَافَةٌ إِلَى الشُّؤْمِ، وَإِنَّ النَّحِسَ بِكَسْرِ الْحَاءِ نَعْتٌ لِلْيَوْمِ بِأَنَّهُ مَشْؤُومٌ، وَلِذَلِكَ قِيلَ: {فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ} [فصلت: 16] لِأَنَّهَا أَيَّامٌ مَشَائِيمَ