حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: ذَكَرَ أَبُو إِسْحَاقَ عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: " يُسَاقُونَ إِلَى الْجَنَّةِ، فَيَنْتَهُونَ إِلَيْهَا، فَيَجِدُونَ عِنْدَ بَابِهَا شَجَرَةً فِي أَصْلِ سَاقِهَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ، فَيَعْمِدُونَ إِلَى إِحْدَاهُمَا، فَيَغْتَسِلُونَ مِنْهَا، فَتَجْرِي عَلَيْهِمْ نَضْرَةُ النَّعِيمِ، فَلَنْ تَشْعَثَ رُءُوسُهُمْ بَعْدَهَا أَبَدًا، وَلَنْ تُغَبَّرَ جُلُودُهُمْ بَعْدَهَا أَبَدًا، كَأَنَّمَا دُهِنُوا بِالدَّهَانِ؛ وَيَعْمِدُونَ إِلَى الْأُخْرَى، فَيَشْرَبُونَ مِنْهَا، فَيُذْهِبُ مَا فِي بُطُونِهِمْ مِنْ قَذًى أَوِ أَذًى، ثُمَّ يَأْتُونَ بَابَ الْجَنَّةِ فَيَسْتَفْتِحُونَ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ، فَتَتَلَقَّاهُمْ خَزَنَةُ الْجَنَّةِ فَيَقُولُونَ {سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 32] " قَالَ: وَتَتَلَقَّاهُمُ الْوِلْدَانُ الْمُخَلَّدُونَ، يُطِيفُونَ بِهِمْ كَمَا تُطِيفُ وَلَدَانُ أَهْلِ الدُّنْيَا بِالْحَمِيمِ إِذَا جَاءَ مِنَ الْغِيبَةِ، -[268]- يَقُولُونَ: أَبْشِرْ أَعَدَّ اللَّهُ لَكَ كَذَا، وَأَعَدَّ لَكَ كَذَا، فَيَنْطَلِقُ أَحَدُهُمْ إِلَى زَوْجَتِهِ، فَيُبَشِّرُهَا بِهِ، فَيَقُولُ: قَدِمَ فُلَانٌ بِاسْمِهِ الَّذِي كَانَ يُسَمَّى بِهِ فِي الدُّنْيَا، وَقَالَ: فَيَسْتَخِفُّهَا الْفَرَحُ حَتَّى تَقُومَ عَلَى أُسْكُفَّةِ بَابِهَا، وَتَقُولُ: أَنْتَ رَأَيْتَهُ، أَنْتَ رَأَيْتَهُ؟ قَالَ: فَيَقُولُ: نَعَمْ، قَالَ: فَيَجِيءُ حَتَّى يَأْتِيَ مَنْزِلَهُ، فَإِذَا أُصُولُهُ مِنْ جَنْدَلِ اللُّؤْلُؤِ مِنْ بَيْنِ أَصْفَرَ وَأَحْمَرَ وَأَخْضَرَ، قَالَ: فَيَدْخُلُ فَإِذَا الْأَكْوَابُ مَوْضُوعَةٌ، وَالنَّمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ، وَالزَّرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ قَالَ: ثُمَّ يَدْخُلُ إِلَى زَوْجَتِهِ مِنَ الْحُورِ الْعَيْنِ، فَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ أَعَدَّهَا لَهُ لَالْتَمَعَ بَصَرُهُ مِنْ نُورِهَا وَحُسْنِهَا؛ قَالَ: فَاتَّكَأَ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَقُولُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف: 43] قَالَ: فَتُنَادِيهِمُ الْمَلَائِكَةُ: {أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: 43] حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، قَالَ: ذَكَرَ السُّدِّيُّ نَحْوَهُ أَيْضًا، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: لَهُوَ أَهْدَى إِلَى مَنْزِلِهِ فِي الْجَنَّةِ مِنْهُ إِلَى مَنْزِلِهِ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ قَرَأَ السُّدِّيُّ: {وَيُدْخِلُهُمِ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ} [محمد: 6] وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَوْضِعِ جَوَابِ إِذَا الَّتِي فِي قَوْلِهِ {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا} فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: يُقَالُ إِنَّ قَوْلَهُ {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا} [الزمر: 73] فِي مَعْنَى: قَالَ لَهُمْ، كَأَنَّهُ يَلْغِي الْوَاوَ، وَقَدْ جَاءَ فِي الشَّعْرِ شَيْءٌ يُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ زَائِدَةً، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

[البحر الكامل]

فَإِذَا وَذَلِكَ يَا كُبَيْشَةُ لَمْ يَكُنْ ... إِلَّا تَوَهُّمَ حَالِمٍ بِخَيَالِ

فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ يُرِيدُ: فَإِذَا ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ، قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَأُضْمِرَ الْخَبَرُ، وَإِضْمَارُ الْخَبَرِ أَيْضًا أَحْسَنُ فِي الْآيَةِ، وَإِضْمَارُ الْخَبَرِ فِي الْكَلَامِ كَثِيرٌ. وَقَالَ آخَرُ -[269]- مِنْهُمْ: هُوَ مَكْفُوفٌ عَنْ خَبَرِهِ، قَالَ: وَالْعَرَبُ تَفْعَلُ مِثْلَ هَذَا؛ قَالَ عَبْدُ مَنَافِ بْنُ رِبْعٍ فِي آخِرِ قَصِيدَةٍ:

[البحر البسيط]

حَتَّى إِذَا أَسْلَكُوهُمْ فِي قُتَائِدِهِ ... شَلًّا كَمَا تَطْرُدُ الْجَمَّالَةُ الشُّرُدَا

وَقَالَ الْأَخْطَلُ فِي آخِرِ الْقَصِيدَةِ:

[البحر الطويل]

خَلَا أَنَّ حَيًّا مِنْ قُرَيْشٍ تَفَضَّلُوا ... عَلَى النَّاسِ أَوْ أَنَّ الْأَكَارِمَ نَهْشَلَا

. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: أُدْخِلَتْ فِي حَتَّى إِذَا وَفِي فَلَمَّا الْوَاوُ فِي جَوَابِهَا وَأُخْرِجَتْ، فَأَمَّا مَنْ أَخْرَجَهَا فَلَا شَيْءَ فِيهِ، وَمَنْ أَدْخَلَهَا شَبَّهَ الْأَوَائِلَ بِالتَّعَجُّبِ، فَجَعَلَ الثَّانِي نَسَقًا عَلَى الْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي جَوَابًا كَأَنَّهُ قَالَ: أَتَعَجَّبُ لِهَذَا وَهَذَا وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: الْجَوَابُ مَتْرُوكٌ، وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ الْآخَرُ غَيْرَ مَدْفُوعٍ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر: 73] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِيَ الْكَلَامِ مَتْرُوكًا، إِذْ كَانَ عَقِيبُهُ {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ} [الزمر: 74] ؛ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَمَعْنَى الْكَلَامِ: حَتَّى إِذَا جَاءُوا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ، دَخَلُوهَا، وَقَالُوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَعُنِيَ بِقَوْلِهِ {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} [الزمر: 73] : أَمَنَةٌ مِنَ اللَّهِ لَكُمْ أَنْ يَنَالَكُمْ بَعْدُ مَكْرُوهٌ أَوِ اذًى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015