القول في تأويل قوله تعالى: أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب اختلفت القراء في قراءة قوله: أمن فقرأ ذلك بعض المكيين وبعض المدنيين وعامة الكوفيين: (أمن)

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: {أَمَّنْ} [البقرة: 283] فَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمَكِّيِّينَ وَبَعْضُ الْمَدَنِيِّينَ وَعَامَّةُ الْكُوفِيِّينَ: (أَمَنْ) بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ؛ وَلِقِرَاءَتُهُمْ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْأَلِفُ فِي «أَمَّنْ» بِمَعْنَى الدُّعَاءِ، يُرَادُ بِهَا: يَا مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ، وَالْعَرَبُ تُنَادِي بِالْأَلِفِ كَمَا تُنَادِي بِيَا، فَتَقُولُ: أَزِيدُ أَقْبِلْ، وَيَا زَيْدُ أَقْبِلْ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ أَوْسِ بْنِ حَجَرٍ:

[البحر الكامل]

أَبَنِي لُبَيْنَى لَسْتُمُ بِيَدٍ ... إِلَّا يَدٌ لَيْسَتْ لَهَا عَضُدُ

وَإِذَا وُجِّهَتِ الْأَلِفُ إِلَى النِّدَاءِ كَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ: قُلْ تَمَتَّعْ أَيُّهَا الْكَافِرُ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ، وَيَا مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا إِنَّكَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَيَكُونُ فِي النَّارِ عَمًى لِلْفَرِيقِ الْكَافِرِ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْجَزَاءِ فِي الْآخِرَةِ، الْكِفَايَةَ عَنْ بَيَانِ مَا لِلْفَرِيقِ الْمُؤْمِنِ، إِذْ كَانَ مَعْلُومًا اخْتِلَافُ أَحْوَالُهُمَا فِي الدُّنْيَا، وَمَعْقُولًا أَنَّ أَحَدَهُمَا إِذَا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ لِكُفْرِهِ بِرَبِّهِ أَنَّ الْآخَرَ مِنْ أَصْحَابِ الْجَنَّةِ، فَحُذِفَ الْخَبَرُ عَمَّا لَهُ، اكْتِفَاءٌ بِفَهْمِ السَّامِعِ الْمُرَادَ مِنْهُ مِنْ ذِكْرِهِ، إِذْ كَانَ قَدْ دَلَّ عَلَى الْمَحْذُوفِ بِالْمَذْكُورِ وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الْأَلِفُ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: «أَمَّنْ» أَلْفُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015