الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 85] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: {قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ} [ص: 84] فَقَرَأَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَعَامَّةُ الْكُوفِيِّينَ بِرَفْعِ الْحَقِّ الْأَوَّلِ، وَنَصْبِ الثَّانِي وَفِي رَفْعِ الْحَقِّ الْأَوَّلِ إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا رَفْعُهُ بِضَمِيرٍ لِلَّهِ الْحَقُّ، أَوْ أَنَا الْحَقُّ وَأَقُولُ الْحَقَّ وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا بِتَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {لَأَمْلَأَنَّ} [الأعراف: 18] فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ حِينَئِذٍ: فَالْحَقُ أَنْ أَمْلَأَ جَهَنَّمَ مِنْكَ، كَمَا يَقُولُ: عَزْمَةٌ صَادِقَةٌ لَآتِيَنَّكَ، فَرَفَعَ عَزْمَةً بِتَأْوِيلِ لَآتِيَنَّكَ، لِأَنَّ تَأْوِيلَهُ أَنْ آتِيَكَ، كَمَا قَالَ: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنَنَّهُ} [يوسف: 35] فَلَا بُدَّ لِقَوْلِهِ: {بَدَا لَهُمْ} [الأنعام: 28] مِنْ مَرْفُوعٍ، وَهُوَ مُضْمَرٌ فِي الْمَعْنَى وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ الْمَكِّيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ بِنَصْبِ الْحَقِّ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي كِلَيْهِمَا، بِمَعْنَى: حَقًّا لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ وَالْحَقَّ أَقُولُ، ثُمَّ أُدْخِلَتِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ، لِأَنَّ دُخُولَهُمَا إِذَا كَانَ كَذَلِكَ مَعْنَى الْكَلَامِ وَخُرُوجَهُمَا مِنْهُ سَوَاءٌ، كَمَا سَوَاءٌ قَوْلُهُمْ: حَمْدًا لِلَّهِ، وَالْحَمْدَ لِلَّهِ عِنْدَهُمْ إِذَا نَصَبَ وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نَصَبُهُ عَلَى وَجْهِ الْإِغْرَاءِ بِمَعْنَى: الْزَمُوا الْحَقَّ،