حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ الْقَزَّازُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَزِيعَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: {لَا فِيهَا غَوْلٌ} [الصافات: 47] قَالَ: «لَيْسَ فِيهَا أَذًى وَلَا مَكْرُوهٌ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلِكُلِّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَجْهٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْغَوْلَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: هُوَ مَا غَالَ الْإِنْسَانَ فَذَهَبَ بِهِ، فَكُلُّ مَنْ نَالَهُ أَمْرٌ يَكْرَهُهُ ضَرَبُوا لَهُ بِذَلِكَ الْمَثَلَ، فَقَالُوا: غَالَتْ فُلَانًا غُولٌ، فَالذَّاهِبُ الْعَقْلُ مِنْ شُرْبِ الشَّرَابِ، وَالْمُشْتَكِي الْبَطْنَ مِنْهُ، وَالْمُصْدَعُ الرَّأْسِ مِنْ ذَلِكَ، وَالَّذِي نَالَهُ مِنْهُ مَكْرُوهٌ كُلُّهُمْ قَدْ غَالَتْهُ غُولٌ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَدْ نَفَى عَنْ شَرَابِ الْجَنَّةِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ غَوْلٌ، فَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِصِفَتِهِ أَنْ يُقَالَ فِيهِ كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {لَا فِيهَا -[535]- غَوْلٌ} [الصافات: 47] فَيَعُمُّ بِنَفْيِ كُلِّ مَعَانِي اللَّغْوِ عَنْهُ، وَأَعَمُّ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: لَا أَذًى فِيهَا وَلَا مَكْرُوهً عَلَى شَارِبِيهَا فِي جِسْمٍ وَلَا عَقْلٍ، وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ {وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} [الصافات: 47] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ {يُنْزَفُونَ} [الصافات: 47] بِفَتْحِ الزَّايِ، بِمَعْنَى: وَلَا هُمْ عَنْ شُرْبِهَا تَنْزِفُ عُقُولُهُمْ وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: (وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزِفُونَ) بِكَسْرِ الزَّايِ، بِمَعْنَى: وَلَا هُمْ عَنْ شُرْبِهَا يَنْفَدُ شَرَابُهُمْ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ صَحِيحَتَا الْمَعْنَى غَيْرُ مُخْتَلَفَتَيْهِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ؛ وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَا يَنْفَدُ شَرَابُهُمْ، وَلَا يُسْكِرُهُمْ شُرْبُهُمْ إِيَّاهُ، فَيُذْهِبُ عُقُولَهُمْ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: لَا تُذْهِبُ عُقُولَهُمْ