القول في تأويل قوله تعالى: إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون يقول تعالى ذكره: إنا جعلنا أيمان هؤلاء الكفار مغلولة إلى أعناقهم بالأغلال، فلا تبسط بشيء من الخيرات؛ وهي

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} [يس: 9] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّا جَعَلْنَا أَيْمَانَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ مَغْلُولَةً إِلَى أَعْنَاقِهِمْ بِالْأَغْلَالِ، فَلَا تَبْسِطُ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَيْرَاتِ؛ وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ فِيمَا ذُكِرَ: «إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَيْمَانِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ» وَقَوْلُهُ: {إِلَى الْأَذْقَانِ} [يس: 8] يَعْنِي: فَأَيْمَانُهُمْ مَجْمُوعَةٌ بِالْأَغْلَالِ فِي أَعْنَاقِهِمْ، فَكُنِّيَ عَنِ الْأَيْمَانِ، وَلَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْرٌ لِمِعْرِفَةِ السَّامِعِينَ بِمَعْنَى الْكَلَامِ، وَأَنَّ الْأَغْلَالَ إِذَا كَانَتْ فِي الْأَعْنَاقِ لَمْ تَكُنْ إِلَّا وَأَيْدِي الْمَغْلُولِينَ مَجْمُوعَةٌ بِهَا أَلِيَهَا، فَاسْتَغْنَى بِذِكْرِ كَوْنِ الْأَغْلَالِ فِي الْأَعْنَاقِ مِنْ ذِكْرِ الْأَيْمَانِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

[البحر الوافر]

وَمَا أَدْرِي إِذَا يَمَّمْتُ وَجْهًا ... أُرِيدُ الْخَيْرَ أَيُّهُمَا يَلِينِي

آلْخَيْرُ الَّذِي أَنَا أَبْتَغِيهِ ... أَمِ الشَّرُّ الَّذِي لَا يَأْتَلِينِي

فَكَنَى عَنِ الشَّرِّ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْخَيْرَ وَحْدَهُ لَعِلْمِ سَامِعِ ذَلِكَ بِمَعْنَى قَائِلِهِ، إِذْ كَانَ الشَّرُّ مَعَ الْخَيْرِ يُذْكَرُ وَالْأَذْقَانُ: جَمْعُ ذَقَنٍ، وَالذَّقَنُ: مَجْمَعُ اللَّحْيَيْنِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015