وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا: {رَبَّنَا بَاعِدْ} [سبأ: 19] وَبَعِّدْ لِأَنَّهُمَا الْقِرَاءَتَانِ الْمَعْرُوفَتَانِ فِي قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ وَمَا عَدَاهُمَا فَغَيْرُ مَعْرُوفٍ فِيهِمْ؛ عَلَى أَنَّ التَّأْوِيلَ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ أَيْضًا يُحَقِّقُ قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَهُ عَلَى وَجْهِ الدُّعَاءِ وَالْمَسْأَلَةِ، وَذَلِكَ أَيْضًا مِمَّا يَزِيدُ الْقِرَاءَةَ الْأُخْرَى بُعْدًا مِنَ الصَّوَابِ فَإِذَا كَانَ هُوَ الصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: فَقَالُوا: يَا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا، فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّامِ فَلَوَاتٍ وَمَفَاوِزٍ، لِنَرْكَبَ فِيهَا الرَّوَاحِلَ، وَنَتَزَوَّدُ مَعَنَا فِيهَا الْأَزْوَادَ؛ وَهَذَا مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى بَطْرِ الْقَوْمِ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَإِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ، وَجَهْلِهِمْ بِمِقْدَارِ الْعَافِيَةِ؛ وَلَقَدْ عَجَّلَ لَهُمْ رَبُّهُمُ الْإِجَابَةَ، كَمَا عَجَّلَ لِلْقَائِلِينَ: {إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال: 32] أَعْطَاهُمْ مَا رَغِبُوا إِلَيْهِ فِيهِ وَطَلَبُوا مِنَ الْمَسْأَلَةِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ