ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [الأحزاب: 52] «لَا يَهُودِيَّةٌ، وَلَا نَصْرَانِيَّةٌ، وَلَا كَافِرَةٌ» -[150]- وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ عِنْدِي بِالصِّحَّةِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ: بَعْدِ اللَّوَاتِي أَحْلَلْتُهُنَّ لَكَ بِقَوْلِي: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} [الأحزاب: 50] إِلَى قَوْلِهِ: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} [الأحزاب: 50] وَإِنَّمَا قُلْتُ ذَلِكَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ} [الأحزاب: 52] عُقَيْبَ قَوْلِهِ: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} [الأحزاب: 50] وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَقُولَ: قَدْ أَحْلَلْتُ لَكَ هَؤُلَاءِ، وَلَا يَحْلِلْنَ لَكَ إِلَّا بِنَسْخِ أَحَدِهِمَا صَاحِبَهُ، وَعَلَى أَنْ يَكُونَ وَقْتَ فَرَضَ إِحْدَى الْآيَتَيْنِ، فَعَلَ الْأُخْرَى مِنْهُمَا فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَلَا بُرْهَانَ وَلَا دَلَالَةَ عَلَى نَسْخِ حُكْمِ إِحْدَى الْآيَتَيْنِ حُكْمَ الْأُخْرَى، وَلَا تَقَدُّمِ تَنْزِيلِ إِحْدَيْهِمَا قَبْلَ صَاحِبَتِهَا، وَكَانَ غَيْرُ مُسْتَحِيلٍ مَخْرَجَهُمَا عَلَى الصِّحَّةِ، لَمْ يُجِزْ أَنْ يُقَالَ: إِحْدَاهُمَا نَاسِخَةُ الْأُخْرَى وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: لَا يَحِلُّ مِنْ بَعْدِ الْمُسْلِمَاتِ يَهُودِيَّةٌ وَلَا نَصْرَانِيَّةٌ وَلَا كَافِرَةٌ، مَعْنًى مَفْهُومٌ، إِذْ كَانَ قَوْلِهِ {مِنْ بَعْدُ} [البقرة: 27] إِنَّمَا مَعْنَاهُ: مِنْ بَعْدِ الْمُسَمَّيَاتِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُنَّ فِي الْآيَةِ قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمُ فِيهَا ذِكْرُ الْمُسَمَّيَاتِ بِالتَّحْلِيلِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذِكْرُ إِبَاحَةِ الْمُسْلِمَاتِ كُلُّهُنَّ، بَلْ كَانَ فِيهَا ذِكْرُ أَزْوَاجِهِ وَمِلْكِ يَمِينِهِ الَّذِي يُفِيءُ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَبَنَاتِ عَمِّهِ وَبَنَاتِ عَمَّاتِهِ، وَبَنَاتِ خَالِهِ وَبَنَاتِ خَالَاتِهِ، اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَهُ، وَامْرَأَةٍ مُؤْمِنَةٍ إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ، فَتَكُونُ الْكَوَافِرُ مَخْصُوصَاتٍ بِالتَّحْرِيمِ، صَحَّ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ، دُونَ قَوْلِ مَنْ خَالَفَ قَوْلَنَا فِيهِ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ} [الأحزاب: 52] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ {يَحِلُّ} [الأحزاب: 52] بِالْيَاءِ، بِمَعْنَى: لَا يَحِلُّ لَكَ شَيْءٌ مِنَ النِّسَاءِ -[151]- بَعْدُ. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ: (لَا تَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ) بِالتَّاءِ، تَوْجِيهًا مِنْهُ إِلَى أَنَّهُ فِعْلٌ لِلنِّسَاءِ، وَالنِّسَاءُ جَمْعٌ لِلْكَثِيرِ مِنْهُنَّ. وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ بِالْيَاءِ لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذُكِرَتْ لَهُمْ، وَلِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَى الْقِرَاءَةِ بِهَا، وَشُذُوذِ مَنْ خَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015