الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} [السجدة: 10] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ، الْمُكَذِّبُونَ بِالْبَعْثِ: {أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ} [السجدة: 10] أَيْ صَارَتْ لُحُومُنَا وَعِظَامُنَا تُرَابًا فِي الْأَرْضِ، وَفِيهَا لُغَتَانِ: ضَلَلْنَا، وَضَلِلْنَا، بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِهَا، وَالْقِرَاءَةُ عَلَى فَتْحِهَا، وَهِيَ الْجَوْدَاءُ، وَبِهَا نَقْرَأُ، وَذُكِرَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: (أَئِذَا صَلَلْنَا) ، بِالصَّادِ، بِمَعْنَى: أَنْتَنَّا، مِنْ قَوْلِنَا: صَلَّ اللَّحْمُ وَأَصَلَّ: إِذَا أَنْتَنَ، وَإِنَّمَا عَنَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِقَوْلِهِمْ: {أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ} [السجدة: 10] أَيْ إِذَا هَلَكَتْ أَجْسَادُنَا فِي الْأَرْضِ، لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ حَتَّى خَفِيَ فِيمَا غَلَبَ، فَإِنَّهُ قَدْ ضَلَّ فِيهِ، تَقُولُ الْعَرَبُ: قَدْ ضَلَّ الْمَاءُ فِي اللَّبَنِ: إِذَا غَلَبَ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَتَبَيَّنَ فِيهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَخْطَلِ لِجَرِيرٍ:
[البحر الكامل]
كُنْتَ الْقَذَى فِي مَوْجِ أَكْدَرَ مُزْبِدٍ ... قَذَفَ الْأَتِيُّ بِهِ فَضَلَّ ضَلَالَا
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.