حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: {كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً} [البقرة: 171] لَا يَعْقِلُ مَا يُقَالُ لَهُ إِلَّا أَنْ تُدْعَى فَتَأْتِيَ أَوْ يُنَادَى بِهَا فَتَذْهَبَ، وَأَمَّا الَّذِي يَنْعِقُ فَهُوَ الرَّاعِي الْغَنَمَ كَمَا يَنْعِقُ الرَّعْيَ بِمَا لَا يَسْمَعُ مَا يُقَالُ لَهُ، إِلَّا أَنْ يُدْعَى أَوْ يُنَادَى، فَكَذَلِكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو مَنْ لَا يَسْمَعُ إِلَّا خَرِيرَ الْكَلَامِ يَقُولُ اللَّهُ: {صُمٌّ بِكُمٌ عُمْيٌ} [البقرة: 18] " وَمَعْنَى قَائِلِي هَذَا الْقَوْلِ فِي تَأْوِيلِهِمْ مَا تَأَوَّلُوا عَلَى مَا حَكَيْتُ عَنْهُمْ: وَمَثَلُ وَعْظِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَوَاعِظِهِمْ كَمَثَلِ نَعْقِ النَّاعِقِ بِغَنَمِهِ وَنَعِيقِهِ بِهَا. فَأُضِيفَ الْمَثَلُ إِلَى الَّذِينَ كَفَرُوا، وَتَرَكَ ذِكْرَ الْوَعْظِ وَالْوَاعِظَ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ، كَمَا يُقَالُ: إِذَا لَقِيتَ فُلَانًا فَعَظِّمْهُ تَعْظِيمَ السُّلْطَانِ، يُرَادُ بِهِ كَمَا تُعَظِّمُ السُّلْطَانَ، وَكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

[البحر الوافر]

فَلَسْتُ مُسَلَّمًا مَا دُمْتُ حَيًّا ... عَلَى زَيْدٍ بِتَسْلِيمِ الْأَمِيرِ

يُرَادُ بِهِ: كَمَا يُسَلَّمُ عَلَى الْأَمِيرِ. -[48]- وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ الَّذِي تَأَوَّلَهُ هَؤُلَاءِ: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قِلَّةِ فَهْمِهِمْ عَنِ اللَّهِ وَعَنْ رَسُولِهِ كَمَثَلِ الْمَنْعُوقِ بِهِ مِنَ الْبَهَائِمِ الَّذِي لَا يَفْقَهُ مِنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ غَيْرَ الصَّوْتِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ قِيلَ لَهُ: اعْتَلِفْ أَوْ رَدِ الْمَاءَ لَمْ يَدْرِ مَا يُقَالُ لَهُ غَيْرَ الصَّوْتِ الَّذِي يَسْمَعُهُ مِنْ قَائِلِهِ فَكَذَلِكَ الْكَافِرُ، مَثَلُهُ فِي قِلَّةِ فَهْمِهِ لِمَا يُؤْمَرُ بِهِ وَيُنْهَى عَنْهُ بِسُوءِ تَدَبُّرِهِ إِيَّاهُ وَقِلَّةِ نَظَرِهِ وَفِكْرِهِ فِيهِ مَثَلُ هَذَا الْمَنْعُوقِ بِهِ فِيمَا أُمِرَ بِهِ وَنُهِيَ عَنْهُ. فَيَكُونُ الْمَعْنَى لِلْمَنْعُوقِ بِهِ وَالْكَلَامُ خَارِجٌ عَلَى النَّاعِقِ، كَمَا قَالَ نَابِغَةُ بَنِي ذُبْيَانَ:

[البحر الطويل]

وَقَدْ خِفْتُ حَتَّى مَا تَزِيدُ مَخَافَتِي ... عَلَى وَعِلٍ فِي ذِي الَمَطَارَةِ عَاقِلِ

وَالْمَعْنَى: حَتَّى مَا تَزِيدُ مَخَافَةُ الْوَعِلِ عَلَى مَخَافَتِي، وَكَمَا قَالَ الْآخَرُ:

[البحر الكامل]

كَانَتْ فَرِيضَةُ مَا تَقُولُ ... كَمَا كَانَ الزِّنَاءُ فَرِيضَةَ الرَّجْمِ

وَالْمَعْنَى: كَمَا كَانَ الرَّجْمُ فَرِيضَةَ الزِّنَا فَجُعِلَ الزِّنَا فَرِيضَةَ الرَّجْمِ لِوُضُوحِ مَعْنَى الْكَلَامِ عِنْدَ سَامِعِهِ. وَكَمَا قَالَ الْآخَرُ:

[البحر الرجز]

إِنَّ سِرَاجًا لَكَرِيمٌ مَفْخَرُهُ ... تَحْلَى بِهِ الْعَيْنُ إِذَا مَا تَجْهَرُهْ

وَالْمَعْنَى: يَحْلَى بِالْعَيْنِ فَجَعَلَهُ تَحْلَى بِهِ الْعَيْنُ وَنَظَائِرُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ -[49]- أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى مِمَّا تُوَجِّهُهُ الْعَرَبُ مِنْ خَبَرِ مَا تُخْبِرُ عَنْهُ إِلَى مَا صَاحَبَهُ لِظُهُورِ مَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَ سَامِعِهِ، فَتَقُولُ: اعْرِضِ الْحَوْضَ عَلَى النَّاقَةِ، وَإِنَّمَا تُعْرَضُ النَّاقَةُ عَلَى الْحَوْضِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهَا. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي دُعَائِهِمْ آلِهَتَهُمْ وَأَوْثَانَهُمُ الَّتِي لَا تَسْمَعُ وَلَا تَعْقِلُ، كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً، وَذَلِكَ الصَّدَى الَّذِي يُسْمَعُ صَوْتُهُ، وَلَا يَفْهَمُ بِهِ عَنْهُ النَّاعِقُ شَيْئًا. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِ قَائِلِ ذَلِكَ: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَآلِهَتُهُمْ فِي دُعَائِهِمْ إِيَّاهَا وَهِيَ لَا تَفْقَهُ وَلَا تَعْقِلُ كَمَثَلِ النَّاعِقِ بِمَا لَا يَسْمَعُهُ النَّاعِقُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً، أَيْ لَا يَسْمَعُ مِنْهُ النَّاعِقُ إِلَّا دُعَاءَهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015