تَحْمِيدَ نَفْسِهِ، وَمَفَاتِحَ بَعْضِهَا تَمْجِيدَهَا، وَمَفَاتِحَ بَعْضِهَا تَعْظِيمَهَا وَتَنْزِيهَهَا. فَكَذَلِكَ جَعَلَ مَفَاتِحَ السُّوَرِ الْأُخْرَى الَّتِي أَوَائِلُهَا بَعْضُ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ مَدَائِحَ نَفْسِهِ أَحْيَانًا بِالْعِلْمِ، وَأَحْيَانًا بِالْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ، وَأَحْيَانًا بِالْإِفْضَالِ وَالْإِحْسَانِ بِإِيجَازٍ وَاخْتِصَارٍ، ثُمَّ اقْتِصَاصِ الْأُمُورِ بَعْدَ ذَلِكَ. وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْأَلِفُ وَاللَّامُ وَالْمِيمُ فِي أَمَاكِنِ الرَّفْعِ مَرْفُوعًا بَعْضُهَا بِبَعْضٍ دُونَ قَوْلِهِ: {ذَلِكَ الْكِتَابُ} [البقرة: 2] وَيَكُونُ ذَلِكَ الْكِتَابُ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مُنْقَطِعًا عَنْ مَعْنَى {الم} [البقرة: 1] وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِ قَائِلِ هَذَا الْقَوْلِ الثَّانِي مَرْفُوعٌ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا مَعْنَاهُ مَعْنَى قَوْلِ قَائِلِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ. وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا: هُنَّ حُرُوفٌ مِنْ حُرُوفِ حِسَابِ الْجُمَلِ دُونَ مَا خَالَفَ ذَلِكَ مِنَ الْمَعَانِي، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: لَا نَعْرِفُ لِلْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ مَعْنًى يُفْهَمُ سِوَى حِسَابِ الْجُمَلِ وَسِوَى تَهَجِّي قَوْلِ الْقَائِلِ: {الم} [البقرة: 1] وَقَالُوا: غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُخَاطِبَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عِبَادَهُ إِلَّا بِمَا يَفْهَمُونَهُ وَيَعْقِلُونَهَ عَنْهُ. فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَكَانَ قَوْلُهُ: {الم} [البقرة: 1] لَا يُعْقَلُ لَهَا وَجْهٌ تُوَجَّهُ إِلَيْهِ إِلَّا أَحَدَ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَا، فَبَطَلَ أَحَدُ وَجْهَيْهِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِهَا تَهَجِّي {الم} [البقرة: 1] صَحَّ وَثَبَتَ أَنَّهُ مُرَادٌ بِهِ الْوَجْهَ الثَّانِي وَهُوَ حِسَابُ الْجُمَلِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: {الم} [البقرة: 1] لَا يَجُوزُ أَنْ يَلِيَهُ مِنَ الْكَلَامِ ذَلِكَ الْكِتَابُ لِاسْتِحَالَةِ مَعْنَى الْكَلَامِ وَخُرُوجِهِ عَنِ الْمَعْقُولِ إِذَا وَلِي {الم} [البقرة: 1] ذَلِكَ الْكِتَابُ