الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} [العنكبوت: 14] وَهَذَا وَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ، الْقَائِلِينَ لِلَّذِينَ آمَنُوا: اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ، يَقُولُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَحْزُنَنَّكَ يَا مُحَمَّدُ مَا تَلْقَى مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ مِنَ الْأَذَى، فَإِنِّي وَإِنْ أَمْلَيْتُ لَهُمْ فَأَطَلْتُ إِمْلَاءَهُمْ، فَإِنَّ مَصِيرَ أَمْرِهِمْ إِلَى الْبَوَارِ، وَمَصِيرُ أَمْرِكَ وَأَمْرِ أَصْحَابِكَ إِلَى الْعُلُوِّ وَالظَّفَرِ بِهِمْ وَالنَّجَاةِ مِمَّا يَحِلُّ بِهِمْ مِنَ الْعِقَابِ، كَفِعْلِنَا ذَلِكَ بِنُوحٍ، إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى قَوْمِهِ، فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا يَدْعُوهُمْ إِلَى التَّوْحِيدِ، وَفِرَاقِ الْآلِهَةِ وَالْأَوْثَانِ، فَلَمْ يَزِدْهُمْ ذَلِكَ مِنْ دُعَائِهِ إِيَّاهُمْ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْإِقْبَالِ إِلَيْهِ، وَقَبُولِ مَا أَتَاهُمْ بِهِ مِنَ النَّصِيحَةِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِلَّا فِرَارًا. وَذُكِرَ أَنَّهُ أُرْسِلَ إِلَى قَوْمِهِ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثِ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً