القول في تأويل قوله تعالى: ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون يقول تعالى ذكره: ووصينا الإنسان فيما أنزلنا إلى رسولنا بوالديه أن يفعل بهما حسنا واختلف أهل العربية في وجه نصب

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [العنكبوت: 8] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ} [العنكبوت: 8] فِيمَا أَنْزَلْنَا إِلَى رَسُولِنَا {بِوَالِدَيْهِ} [مريم: 14] أَنْ يَفْعَلَ بِهِمَا {حُسْنًا} [البقرة: 83] وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ نَصْبِ الْحُسْنِ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: نُصِبَ ذَلِكَ عَلَى نِيَّةِ تَكْرِيرِ وَصَّيْنَا. وَكَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ عِنْدَهُ: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ، وَوَصَّيْنَاهُ حُسْنًا، وَقَالَ: قَدْ يَقُولُ الرَّجُلُ وَصَّيْتُهُ خَيْرًا: أَيْ بِخَيْرٍ. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ أَنْ يَفْعَلَ حُسْنًا، وَلَكِنَّ الْعَرَبَ تُسْقِطُ مِنَ الْكَلَامِ بَعْضَهُ إِذَا كَانَ فِيمَا بَقِيَ الدَّلَالَةُ عَلَى مَا سَقَطَ، وَتُعْمِلَ مَا بَقِيَ فِيمَا كَانَ يَعْمَلُ فِيهِ الْمَحْذُوفُ، فَنَصَبَ قَوْلَهُ {حُسْنًا} [البقرة: 83] وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى مَا وَصَفَتْ {وَصَّيْنَا} [النساء: 131] ، لِأَنَّهُ قَدْ نَابَ عَنِ السَّاقِطِ، وَأُنْشِدُ فِي ذَلِكَ:

[البحر الرجز]

عَجِبْتُ مِنْ دَهْمَاءَ إِذْ تَشْكُونَا

وَمِنْ أَبِي دَهْمَاءَ إِذْ يُوصِينَا

خَيْرًا بِهَا كَأَنَّنَا جَافُونَا

وَقَالَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: يُوصِينَا خَيْرًا: أَنْ نَفْعَلَ بِهَا خَيْرًا، فَاكْتَفَى بِيُوصِينَا مِنْهُ، وَقَالَ: ذَلِكَ نَحْوُ قَوْلِهِ {فَطَفِقَ مَسْحًا} [ص: 33] أَيْ يَمْسَحُ مَسْحًا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015