القول في تأويل قوله تعالى: ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين يقول تعالى ذكره: ولقد اختبرنا الذين من قبلهم من الأمم، ممن أرسلنا إليهم رسلنا، فقالوا مثل ما قالته أمتك يا محمد بأعدائهم، وتمكيننا إياهم من أذاهم، كموسى

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 3] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَقَدِ اخْتَبَرْنَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ، مِمَّنْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلَنَا، فَقَالُوا مِثْلَ مَا قَالَتْهُ أُمَّتُكَ يَا مُحَمَّدُ بِأَعْدَائِهِمْ، وَتَمْكِينَنَا إِيَّاهُمْ مِنْ أَذَاهُمْ، كَمُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَابْتَلَيْنَاهُمْ بِفِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ، وَكَعِيسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَابْتَلَيْنَا مَنِ اتَّبَعَهُ بِمَنْ تَوَلَّى عَنْهُ، فَكَذَلِكَ ابْتَلَيْنَا أَتْبَاعَكَ بِمُخَالِفِيكَ مِنْ أَعْدَائِكَ {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا} [العنكبوت: 3] مِنْهُمْ فِي قِيلِهِمْ آمَنَّا {وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 3] مِنْهُمْ فِي قِيلِهِمْ ذَلِكَ، وَاللَّهُ عَالِمٌ بِذَلِكَ مِنْهُمْ قَبْلَ الِاخْتِبَارِ، وَفِي حَالِ الِاخْتِبَارِ، وَبَعْدَ الِاخْتِبَارِ، وَلَكِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَيُظْهِرَنَّ اللَّهُ صِدْقَ الصَّادِقِ مِنْهُمْ فِي قِيلِهِ آمَنَّا بِاللَّهِ مِنْ كَذِبِ الْكَاذِبِ مِنْهُمْ بِابْتِلَائِهِ إِيَّاهُ بِعَدُوِّهِ، لِيَعْلَمَ صِدْقَهُ مِنْ كَذِبِهِ أَوْلِيَاؤُهُ، عَلَى نَحْوِ مَا قَدْ بَيَّنَّاهُ فِيمَا مَضَى قَبْلُ. وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَذَّبَهُمُ الْمُشْرِكُونَ، فَفُتِنَ بَعْضُهُمْ، وَصَبَرَ بَعْضُهُمْ عَلَى أَذَاهُمْ حَتَّى أَتَاهُمُ اللَّهُ بِفَرَجٍ مِنْ عِنْدِهِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015