وَجَعَلُوا مِثْلَهُ كَقَوْلِ اللَّهِ: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حَجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [البقرة: 150] قَالَ: وَلَمْ أَجِدِ الْعَرَبِيَّةَ تَحْتَمِلُ مَا قَالُوا، لِأَنِّي لَا أُجِيزُ: قَامَ النَّاسُ إِلَّا عَبْدَ اللَّهِ، وَعَبْدُ اللَّهِ قَائِمٌ؛ إِنَّمَا مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءُ أَنْ يَخْرُجَ الِاسْمُ الَّذِي بَعْدَ إِلَّا مِنْ مَعْنَى الْأَسْمَاءِ الَّتِي قَبْلَ إِلَّا. وَقَدْ أُرَاهُ جَائِزًا أَنْ يَقُولَ: لِي عَلَيْكَ أَلْفٌ سِوَى أَلْفٍ آخَرَ؛ فَإِنْ وَضَعْتَ إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ صَلَحَتْ، وَكَانَتْ إِلَّا فِي تَأْوِيلِ مَا قَالُوا، فَأَمَّا مُجَرَّدَةً قَدِ اسْتَثْنَى قَلِيلَهَا مِنْ كَثِيرِهَا فَلَا، وَلَكِنْ مِثْلُهُ مِمَّا يَكُونُ مَعْنَى إِلَّا كَمَعْنَى الْوَاوِ، وَلَيْسَتْ بِهَا قَوْلُهُ {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} هُوَ فِي الْمَعْنَى. وَالَّذِي شَاءَ رَبُّكَ مِنَ الزِّيَادَةِ، فَلَا تُجْعَلْ إِلَّا بِمَنْزِلَةِ الْوَاوِ، وَلَكِنْ بِمَنْزِلَةِ سِوَى؛ فَإِذَا كَانَتْ «سِوَى» فِي مَوْضِعِ «إِلَّا» صَلَحَتْ بِمَعْنَى الْوَاوِ، لِأَنَّكَ تَقُولُ: عِنْدِي مَالٌ كَثِيرٌ سِوَى هَذَا: أَيْ وَهَذَا عِنْدِي، كَأَنَّكَ قُلْتَ: عِنْدِي مَالٌ كَثِيرٌ وَهَذَا أَيْضًا عِنْدِي، وَهُوَ فِي سِوَى أَبْعَدُ مِنْهُ فِي إِلَّا، لِأَنَّكَ تَقُولُ: عِنْدِي سِوَى هَذَا، وَلَا تَقُولُ: عِنْدِي إِلَّا هَذَا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي قَوْلِهِ {إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ} [النمل: 11] عِنْدِي غَيْرُ مَا قَالَهُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ حَكَيْنَا قَوْلُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، بَلْ هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَمَنْ قَالَ قَوْلَهُمَا، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ: {إِلَّا مَنْ ظَلَمَ} [النساء: 148] اسْتِثْنَاءٌ صَحِيحٌ مِنْ قَوْلِهِ {لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ} [النمل: 10] مِنْهُمْ فَأَتَى ذَنْبًا، فَإِنَّهُ خَائِفٌ لَدَيْهِ مِنْ عُقُوبَتِهِ. وَقَدْ بَيَّنَ الْحَسَنُ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعْنَى قِيلِ اللَّهِ لِمُوسَى ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُهُ قَالَ: «إِنِّي إِنَّمَا أَخَفْتُكَ لِقَتْلِكَ النَّفْسَ» .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015