عَنْهُ، وَإِعْرَاضِهِمْ عَنِ الِاسْتِمَاعِ لِهَذَا الْقُرْآنِ، لِأَنَّهُ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَدِيدًا حِرْصُهُ عَلَى قَبُولِهِمْ مِنْهُ، وَالدُّخُولِ فِيمَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ، حَتَّى عَاتَبَهُ رَبُّهُ عَلَى شِدَّةِ حِرْصِهِ عَلَى ذَلِكَ مِنْهُمْ، فَقَالَ لَهُ: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسِكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 3] ثُمَّ قَالَ مُؤَيِّسَهُ مِنْ إِيمَانَهُمْ وَأَنَّهُمْ هَالِكُونَ بِبَعْضِ مُثْلَاتِهِ، كَمَا هَلَكَ بَعْضُ الْأُمَمِ الَّذِينَ قَصَّ عَلَيْهِمْ قَصَصَهُمْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ. وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ يَا مُحَمَّدُ لَا عَلَيْكَ، فَإِنَّكَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، وَيَقُولُونَ لَكَ: مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا، وَهَلَّا نَزَلَ بِهِ مَلَكٌ، فَقَرَأَ ذَلِكَ الْأَعْجَمُ عَلَيْهِمْ هَذَا الْقُرْآنَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عِلَّةٌ يَدْفَعُونَ بِهَا أَنَّهُ حَقٌّ، وَأَنَّهُ تَنْزِيلٌ مِنْ عِنْدِي، مَا كَانُوا بِهِ مُصَدِّقِينَ، فَخَفِّضْ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى إِيمَانِهِمْ بِهِ، ثُمَّ وَكَّدَ تَعَالَى ذِكْرُهُ الْخَبَرَ عَمَّا قَدْ حَتَّمَ عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ، الَّذِينَ آيَسَ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِيمَانِهِمْ مِنَ الشَّقَاءِ وَالْبَلَاءِ، فَقَالَ: كَمَا حَتَّمْنَا عَلَى هَؤُلَاءِ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَذَا الْقُرْآنِ {وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ} [الشعراء: 198] فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ. {كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ} [الشعراء: 200] التَّكْذِيبَ وَالْكُفْرَ {فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ} [الحجر: 12] . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: سَلَكْنَا: أَدْخَلْنَا، وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ {سَلَكْنَاهُ} [الشعراء: 200] كِنَايَةٌ مِنْ ذِكْرِ قَوْلِهِ {مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 199] ، كَأَنَّهُ قَالَ: كَذَلِكَ أَدْخَلْنَا فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ تَرْكَ الْإِيمَانِ بِهَذَا الْقُرْآنِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015