ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: " {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ} [الشعراء: 22] قَالَ: يَقُولُ مُوسَى لِفِرْعَوْنَ: أَتَمُنُّ عَلَيَّ أَنِ اتَّخَذْتَ أَنْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَبِيدًا ". وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ، فَيُقَالُ: هَذَا اسْتِفْهَامٌ كَأَنَّهُ قَالَ: أَتَمُنُّهَا عَلَيَّ؟ ثُمَّ فَسَّرَ فَقَالَ: {أَنْ -[562]- عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء: 22] وَجَعَلَهُ بَدَلًا مِنَ النِّعْمَةِ. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يُنْكِرُ هَذَا الْقَوْلَ، وَيَقُولُ: هُوَ غَلَطٌ مِنْ قَائِلِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَمْزَ الِاسْتِفْهَامِ يُلْقَى وَهُوَ يَطْلُبُ، فَيَكُونُ الِاسْتِفْهَامُ كَالْخَبَرِ، قَالَ: وَقَدِ اسْتُقْبِحَ وَمَعَهُ أَمْ، وَهِيَ دَلِيلٌ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ وَاسْتَقْبَحُوا:
[البحر المتقارب]
تَرُوحُ مِنَ الْحَيِّ أَمْ تَبْتَكِرْ ... وَمَاذَا يَضُرُّكَ لَوْ تَنْتَظِرْ؟
قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أَتَرُوحُ مِنَ الْحَيِّ وَحُذِفَ الِاسْتِفْهَامُ أَوَّلًا اكْتِفَاءً بِأَمْ. وَقَالَ أَكْثَرَهُمْ: بَلِ الْأَوَّلُ خَبَرٌ، وَالثَّانِي اسْتِفْهَامٌ، وَكَأَنَّ «أَمْ» إِذَا جَاءَتْ بَعْدَ الْكَلَامِ فَهِيَ الْأَلْفُ، فَأَمَّا وَلَيْسَ مَعَهُ أَمْ، فَلَمْ يَقُلْهُ إِنْسَانٌ. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ فِي ذَلِكَ مَا قُلْنَا. وَقَالَ: مَعْنَى الْكَلَامِ: وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ لِنِعْمَتِي: أَيْ لِنِعْمَةِ تَرْبِيَتِي لَكَ، فَأَجَابَهُ فَقَالَ: نَعَمْ هِيَ نِعْمَةٌ عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ النَّاسَ وَلَمْ تَسْتَعْبِدْنِي