حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا عُثْمَانُ بْنُ غِيَاثٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ} [البقرة: 154] «قَالَ» أَرْوَاحُ الشُّهَدَاءِ فِي طَيْرٍ خُضْرٍ فِي الْجَنَّةِ " فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: وَمَا فِي قَوْلِهِ: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ -[701]- أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ} [البقرة: 154] مِنْ خُصُوصِيَّةِ الْخَبَرِ عَنِ الْمَقْتُولِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِي لَمْ يَعُمَّ بِهِ غَيْرَهُ؟ وَقَدْ عَلِمْتَ تَظَاهُرَ الْأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ وَصَفَ حَالَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ بَعْدَ وَفَاتِهِمْ، فَأَخْبَرَ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُمْ يُفْتَحُ لَهُمْ مِنْ قُبُورِهِمْ أَبْوَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ يَشُمُّونَ مِنْهَا رُوحَهَا، وَيَسْتَعْجِلُونَ اللَّهَ قِيَامَ السَّاعَةِ لِيَصْيرُوا إِلَى مَسَاكِنِهِمْ مِنْهَا وَيَجْمَعُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَهَالِيهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ فِيهَا، وَعَنِ الْكَافِرِينَ أَنَّهُمْ يُفْتَحُ لَهُمْ مِنْ قُبُورِهِمْ أَبْوَابٌ إِلَى النَّارِ يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا وَيُصِيبُهُمْ مِنْ نَتْنِهَا وَمَكْرُوهِهَا، وَيُسَلَّطُ عَلَيْهِمْ فِيهَا إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ مَنْ يَقْمَعُهُمْ فِيهَا وَيَسْأَلُونَ اللَّهَ فِيهَا تَأْخِيرَ قِيَامِ السَّاعَةِ حِذَارًا مِنَ الْمَصِيرِ إِلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ فِيهَا مَعَ أَشْبَاهِ ذَلِكَ مِنَ الْأَخْبَارِ. وَإِذَا كَانَتِ الْأَخْبَارُ بِذَلِكَ مُتَظَاهِرَةً عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا الَّذِي خُصَّ بِهِ الْقَتِيلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِمَّا لَمْ يَعُمَّ بِهِ سَائِرَ الْبَشَرِ غَيْرَهُ مِنَ الْحَيَاةِ وَسَائِرَ الْكُفَّارِ وَالْمُؤْمِنِينَ غَيْرَهُ أَحْيَاءٌ فِي الْبَرْزَخِ، أَمَا الْكُفَّارُ فَمُعَذَّبُونَ فِيهِ بِالْمَعِيشَةِ الضَّنْكِ، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَمُنَعَّمُونَ بِالرَّوْحِ وَالرَّيْحَانِ وَنَسِيمِ الْجِنَانِ؟ قِيلَ: إِنَّ الَّذِي خَصَّ اللَّهُ بِهِ الشُّهَدَاءَ فِي ذَلِكَ وَأَفَادَ الْمُؤْمِنِينَ بِخَبَرِهِ عَنْهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ إِعْلَامَهُ إِيَّاهُمْ أَنَّهُمْ مَرْزُوقُونَ مِنْ مَآكِلِ الْجَنَّةِ وَمَطَاعِمِهَا فِي بَرْزَخِهِمْ قَبْلَ بَعْثِهِمْ، وَمُنَعَّمُونَ بِالَّذِي يَنْعَمُ بِهِ دَاخِلُوها بَعْدِ الْبَعْثِ مِنْ سَائِرِ الْبَشَرِ مِنْ لَذِيذِ مَطَاعِمِهَا الَّذِي لَمْ يُطْعِمْهَا اللَّهُ أَحَدًا غَيْرَهُمْ فِي بَرْزَخِهِ قَبْلَ بَعْثِهِ. فَذَلِكَ هُوَ -[702]- الْفَضِيلَةُ الَّتِي فَضَلَّهُمْ بِهَا وَخَصَّهُمْ بِهَا مِنْ غَيْرِهِمْ، وَالْفَائِدَةُ الَّتِي أَفَادَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْخَبَرِ عَنْهُمْ، فَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [آل عمران: 170] وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا جَاءَ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015