حَدَّثَنِي عَلِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4] ثُمَّ قَالَ: فَمَنْ تَابَ وَأَصْلَحَ «فَشَهَادَتُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تُقْبَلُ» وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا: أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنَ الْمَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا، أَعْنِي مِنْ قَوْلِهِ: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4] وَمِنْ قَوْلِهِ: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْجَمِيعِ أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ إِذَا لَمْ يُحَدَّ فِي الْقَذْفِ حَتَّى تَابَ، -[173]- إِمَّا بِأَنْ يُرْفَعَ إِلَى السُّلْطَانِ بِعَفْوِ الْمَقْذُوفَةِ عَنْهُ، وَإِمَّا بِأَنْ مَاتَتْ قَبْلَ الْمُطَالَبَةِ بِحَدِّهَا , وَلَمْ يَكُنْ لَهَا طَالِبٌ يَطْلُبُ بِحَدِّهَا. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَحَدَثَتْ مِنْهُ تَوْبَةٌ صَحَّتْ لَهُ بِهَا الْعَدَالَةُ. فَإِذْ كَانَ مِنَ الْجَمِيعِ إِجْمَاعًا، وَلَمْ يَكُنِ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ شَرَطَ فِي كِتَابِهِ أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ أَبَدًا بَعْدَ الْحَدِّ فِي رَمْيِهِ، بَلْ نَهَى عَنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِ فِي الْحَالِ الَّتِي أَوْجَبَ عَلَيْهِ فِيهَا الْحَدَّ , َسَمَّاهُ فِيهَا فَاسِقًا، كَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّ إِقَامَةَ الْحَدِّ عَلَيْهِ فِي رَمْيِهِ، لَا تَحْدُثُ فِي شَهَادَتِهِ مَعَ التَّوْبَةِ مِنْ ذَنْبِهِ، مَا لَمْ يَكُنْ حَادِثًا فِيهَا قَبْلَ إِقَامَتِهِ عَلَيْهِ، بَلْ تَوْبَتُهُ بَعْدَ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ مِنْ ذَنْبِهِ أَحْرَى أَنْ تَكُونَ شَهَادَتُهُ مَعَهَا أَجْوَزَ مِنْهَا قَبْلَ إِقَامَتِهِ عَلَيْهِ , لِأَنَّ الْحَدَّ يَزِيدُ الْمَحْدُودَ عَلَيْهِ تَطْهِيرًا مِنْ جُرْمِهِ الَّذِي اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ الْحَدَّ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ قَوْلِهِ: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] فَتَكُونُ التَّوْبَةُ مُسْقِطَةً عَنْهُ الْحَدَّ، كَمَا كَانَتْ لِشَهَادَتِهِ عِنْدَكَ قَبْلَ الْحَدِّ وَبَعْدَهُ مُجِيزَةً , وَلِاسْمِ الْفِسْقِ عَنْهُ مُزِيلَةً؟ قِيلَ: ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ عِنْدَنَا , وَذَلِكَ أَنَّ الْحَدَّ حَقٌّ عِنْدَنَا لِلْمَقْذُوفَةِ كَالْقَصَاصِ الَّذِي يَجِبُ لَهَا مِنْ جِنَايَةٍ -[174]- يَجْنِيهَا عَلَيْهَا مِمَّا فِيهِ الْقِصَاصُ. وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْجَمِيعِ أَنَّ تَوْبَتَهُ مِنْ ذَلِكَ لَا تَضَعُ عَنْهُ الْوَاجِبَ لَهَا مِنَ الْقِصَاصِ مِنْهُ، فَكَذَلِكَ تَوْبَتُهُ مِنَ الْقَذْفِ لَا تَضَعُ عَنْهُ الْوَاجِبَ لَهَا مِنَ الْحَدِّ، لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لَهَا، إِنْ شَاءَتْ عَفَتْهُ، وَإِنْ شَاءَتْ طَالَبَتْ بِهِ. فَتَوْبَةُ الْعَبْدِ مِنْ ذَنْبِهِ إِنَّمَا تَضَعُ عَنِ الْعَبْدِ الْأَسْمَاءَ الذَّميِمَةَ وَالصِّفَاتِ الْقَبِيحَةَ، فَأَمَّا حُقُوقُ الْآدَمَيِّينَ الَّتِي أَوْجَبَهَا اللَّهُ لِبَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ , فَلَا تَزُولُ بِهَا وَلَا تَبْطُلُ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي صِفَةِ تَوْبَةِ الْقَاذِفِ الَّتِي تُقْبَلُ مَعَهَا شَهَادَتُهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ إِكْذَابُهُ نَفْسَهُ فِيهِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْضَ قَائِلِي ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْلُ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ بَعْضَ مَا حَضَرْنَا ذِكْرُهُ مِمَّا لَمْ نَذْكُرْهُ قَبْلُ