وَذَلِكَ قَوْلُهُ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] إِذْ كَانَ لَا شَكَّ أَنَّ مَنْ عَرَفَ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} فَقَدْ عَرَفَهُ بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْمُثْلَى. وَأَنَّ مَنْ كَانَ لِلَّهِ مُطِيعًا، فَلَا شَكَّ أَنَّهُ لِسَبِيلِ مَنْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي دِينِهِ مُتَّبِعٌ، وَعَنْ سَبِيلِ مَنْ غَضِبِ عَلَيْهِ وَضَلَّ مُنْعَدِلٌ، فَمَا فِي زِيَادَةِ الْآيَاتِ الْخَمْسِ الْبَاقِيَةِ مِنَ الْحِكْمَةِ الَّتِي لَمْ تَحْوِهَا الْآيَتَانِ اللَّتَانِ ذَكَرْنَا؟ قِيلَ لَهُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ جَمَعَ لِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأُمَّتِهِ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْهِ مِنْ كِتَابِهِ مَعَانِيَ لَمْ يَجْمَعْهُنَّ بِكِتَابٍ أَنْزَلَهُ إِلَى نَبِيٍّ قَبْلَهُ وَلَا لَأُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ قَبْلَهُمْ. وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ كِتَابٍ أَنْزَلَهُ جَلَّ ذِكْرُهُ عَلَى نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَائِهِ قَبْلَهُ، فَإِنَّمَا أُنْزِلَ بِبَعْضِ الْمَعَانِي الَّتِي يَحْوِي جَمِيعَهَا كِتَابُهُ الَّذِي أَنْزَلَهُ إِلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَالتَّوْرَاةِ الَّتِي هِيَ مَوَاعِظُ وَتَفْصِيلٌ، وَالزَّبُورِ الَّذِي هُوَ تَحْمِيدٌ وَتَمْجِيدٌ، وَالْإِنْجِيلِ الَّذِي هُوَ مَوَاعِظُ وَتَذْكِيرٌ؛ لَا مُعْجِزَةَ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا تَشْهَدُ لِمَنْ أُنْزِلَ إِلَيْهِ بِالتَّصْدِيقِ. وَالْكِتَابُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْوِي مَعَانِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَيَزِيدُ عَلَيْهِ كَثِيرًا مِنَ الْمَعَانِي الَّتِي سَائِرُ الْكُتُبِ غَيْرُهُ مِنْهَا خَالٍ، وَقَدْ قَدَّمْنَا ذِكْرَهَا فِيمَا مَضَى مِنْ هَذَا الْكِتَابِ. وَمِنْ أَشْرَفِ تِلْكَ الْمَعَانِي الَّتِي فَضَلَ بِهَا كِتَابُنَا سَائِرَ الْكُتُبِ قَبْلَهُ: نَظْمُهُ الْعَجِيبُ، وَرَصْفُهُ الْغَرِيبُ، وَتَأْلِيفُهُ الْبَدِيعُ، الَّذِي عَجَزَتْ عَنْ نَظْمِ مِثْلِ أَصْغَرِ سُورَةٍ مِنْهُ الْخُطَبَاءُ، وَكَلَّتْ عَنْ وَصْفِ شَكْلِ بَعْضِهِ الْبُلَغَاءُ، وَتَحَيَّرَتْ فِي تَأْلِيفِهِ