فَكَأَنَّ مَعْنَى قَائِلِ هَذَا الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {إِلَّا لِنَعْلَمَ} [البقرة: 143] إِلَّا لِنُبَيِّنَ لَكُمْ أَنَّا نَعْلَمُ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ. وَهَذَا، وَإِنْ كَانَ وَجْهًا لَهُ مَخْرَجٌ، فَبِعِيدٌ مِنَ الْمَفْهُومِ. وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا قِيلَ: {إِلَّا لِنَعْلَمَ} [البقرة: 143] وَهُوَ بِذَلِكَ عَالِمٌ قَبْلَ كَوْنِهِ وَفِي كُلِّ حَالٍ عَلَى وَجْهِ التَّرَفُّقِ بِعِبَادِهِ، وَاسْتِمَالَتِهِمْ إِلَى طَاعَتِهِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [سبأ: 24] وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ عَلَى هُدًى وَأَنَّهُمْ عَلَى ضَلَالٍ مُبِينٍ، وَلَكِنَّهُ رَفَقَ بِهِمْ فِي الْخَطَّابِ، فَلَمْ يَقُلْ: إِنَّا عَلَى هُدًى، وَأَنْتُمْ عَلَى ضَلَالٍ. فَكَذَلِكَ قَوْلِهِ: {إِلَّا لِنَعْلَمَ} [البقرة: 143] مَعْنَاهُ عِنْدَهُمْ: إِلَّا لِتَعْلَمُوا أَنْتُمْ إِذْ كُنْتُمْ جُهَّالًا بِهِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ؛ فَأَضَافَ الْعِلْمَ إِلَى نَفْسِهِ رِفْقًا بِخِطَابِهِمْ. وَقَدْ بَيَّنَّا الْقَوْلَ الَّذِي هُوَ أَوْلَى فِي ذَلِكَ بِالْحَقِّ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ} [البقرة: 143] فَإِنَّهُ يَعْنِي: الَّذِي يَتَّبِعُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَأْمُرُهُ اللَّهُ بِهِ، فَيُوَجَّهُ نَحْوَ الْوَجْهِ الَّذِي يَتَوَجَّهُ نَحْوَهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.