يعني جل ثناؤه بقوله: وكذلك جعلناكم أمة وسطا كما هديناكم أيها المؤمنون بمحمد عليه الصلاة والسلام، وبما جاءكم به من عند الله، فخصصناكم بالتوفيق لقبلة إبراهيم وملته، وفضلناكم بذلك على من سواكم من أهل الملل؛ كذلك خصصناكم ففضلناكم على غيركم من أهل

يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] كَمَا هَدَيْنَاكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَبِمَا جَاءَكُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَخَصَصْنَاكُمُ بِالتَّوْفِيقِ لِقِبْلَةِ إِبْرَاهِيمَ وَمِلَّتِهِ، وَفَضَّلْنَاكُمْ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ سِوَاكُمْ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ؛ كَذَلِكَ خَصَصْنَاكُمْ فَفَضَّلْنَاكُمْ عَلَى غَيْرِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْأَدْيَانِ بِأَنْ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا. وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْأُمَّةَ هِيَ الْقَرْنُ مِنَ النَّاسِ، وَالصِّنْفُ مِنْهُمْ وَغَيْرِهِمْ. وَأَمَّا الْوَسَطُ فَإِنَّهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الْخِيَارُ، يُقَالُ مِنْهُ: فُلَانُ وَسَطُ الْحَسَبِ فِي قَوْمِهِ: أَيْ مُتَوَسِّطُ الْحَسَبِ، إِذَا أَرَادُوا بِذَلِكَ الرَّفْعَ فِي حَسَبِهِ، وَهُوَ وَسَطٌ فِي قَوْمِهِ، وَوَاسِطٌ، كَمَا يُقَالُ: شَاةٌ يَابِسَةُ اللَّبَنِ، وَيَبْسَةُ اللَّبَنِ، وَكَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا} [طه: 77] وَقَالَ زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلْمَى، فِي الْوَسَطِ:

[البحر الطويل]

هُمُ وَسَطٌ يَرْضَى الْأَنَامُ بِحُكْمِهِمْ ... إِذْ نَزَلَتْ إِحْدَى اللَّيَالِي بِمُعْظَمِ

قَالَ: وَأَنَا أَرَى أَنَّ الْوَسَطَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ هُوَ الْوَسَطُ الَّذِي بِمَعْنَى الْجُزْءِ الَّذِي هُوَ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ، مِثْلَ «وَسَطُ الدَّارِ» مُحَرَّكُ الْوَسَطِ مُثَقَّلَهُ، غَيْرُ جَائِزٍ فِي سِينِهِ التَّخْفِيفُ. وَأَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ إِنَّمَا وَصَفَهُمْ بِأَنَّهُمْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015