حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا شَهِدَ قِتَالًا قَالَ: «رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ» وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ: {قَالَ رَبِّ احْكُمْ} [الأنبياء: 112] بِكَسْرِ الْبَاءِ، وَوَصْلِ الْأَلِفِ: أَلِفِ {احْكُمْ} [المائدة: 49] ، عَلَى وَجْهِ الدُّعَاءِ وَالْمَسْأَلَةِ، سِوَى أَبِي جَعْفَرٍ، فَإِنَّهُ ضَمَّ الْبَاءَ مِنَ الرَّبِّ، عَلَى وَجْهِ نِدَاءِ الْمُفْرِدِ، وَغَيْرَ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ذَلِكَ: «رَبِّي أَحْكَمُ» عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ بِأَنَّ اللَّهَ أَحْكَمُ بِالْحَقِّ مِنْ كُلِّ حَاكِمٍ، فَيُثْبِتُ الْيَاءَ فِي الرَّبِّ، وَيَهْمِزُ الْأَلِفَ مِنْ «أَحْكَمُ» ، وَيَرْفَعُ «أَحْكَمُ» ، عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ لِلرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ: وَصْلُ الْبَاءِ مِنَ الرَّبِّ وَكَسْرِهَا -[445]- بِـ { «احْكُمْ» } [المائدة: 49] ، وَتَرْكُ قَطْعِ الْأَلِفِ مِنِ { «احْكُمْ» } [المائدة: 49] ، عَلَى مَا عَلَيْهِ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ , لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ , وَشُذُوذِ مَا خَالَفَهُ. وَأَمَّا الضَّحَّاكُ فَإِنَّ فِي الْقِرَاءَةَ الَّتِي ذُكِرَتْ عَنْهُ زِيَادَةُ حَرْفٍ عَلَى خَطِّ الْمَصَاحِفِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ ذَلِكَ فِيهَا، مَعَ صِحَّةِ مَعْنَى الْقِرَاءَةِ بِتَرْكِ زِيَادَتِهِ. وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: { «رَبِّ احْكُمْ بِالْحَق» } [الأنبياء: 112] قُلْ: رَبِّ احْكُمْ بِحُكْمِكَ الْحَقِّ، ثُمَّ حَذَفَ الْحُكْمَ الَّذِي الْحَقُّ نَعْتٌ لَهُ , وَأُقِيمَ الْحَقُّ مُقَامَهُ. وَلِذَلِكَ وَجْهٌ، غَيْرَ أَنَّ الَّذِيَ قُلْنَاهُ أَوْضَحُ وَأَشْبَهُ بِمَا قَالَهُ أَهْلُ التَّأْوِيلِ، فَلِذَلِكَ اخْتَرْنَاهُ، وَقَوْلُهُ: {وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [الأنبياء: 112] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَقُلْ يَا مُحَمَّدُ: وَرَبُّنَا الَّذِي يَرْحَمُ عِبَادَهُ , وَيَعُمُّهُمْ بِنِعْمَتِهِ، الَّذِي أَسْتَعِينُهُ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَقُولُونَ , وَتَصِفُونَ مِنْ قَوْلِكُمْ لِي فِيمَا أَتَيْتُكُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ {هَلْ هَذَا إِلَّا بِشْرٌ مِثْلَكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} [الأنبياء: 3] ، , وَقَوْلِكُمْ: {بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ} [الأنبياء: 5] , وَفِي كَذَبِكُمْ عَلَى اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَقِيلِكُمْ: {اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا} [مريم: 88] , فَإِنَّهُ هَيِّنٌ عَلَيْهِ تَغْيِيرُ ذَلِكَ , وَفَصْلُ مَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ بِتَعْجِيلِ الْعُقُوبَةِ لَكُمْ عَلَى مَا تَصِفُونَ مِنْ ذَلِكَ. آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ