ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خُلِقَ اللَّيْلُ قَبْلَ النَّهَارِ. ثُمَّ قَالَ: {كَانَتَا رَتْقًا} [الأنبياء: 30] فَفَتَقْنَاهُمَا -[259]- قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا مِنَ الْمَطَرِ وَالنَّبَاتِ، فَفَتَقْنَا السَّمَاءَ بِالْغَيْثِ , وَالْأَرْضَ بِالنَّبَاتِ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ لِدَلَالَةِ قَوْلِهِ: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبياء: 30] عَلَى ذَلِكَ، وَأَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَمْ يُعَقِّبْ ذَلِكَ بِوَصْفِ الْمَاءِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ إِلَّا وَالَّذِي تَقَدَّمُهُ مِنْ ذِكْرِ أَسْبَابِهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَكَيْفَ قِيلَ: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا} ، وَالْغَيْثُ إِنَّمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا؟ قِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، قَدْ قَالَ قَوْمٌ: إِنَّمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، وَقَالَ آخَرُونَ: مِنَ السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ أَيْضًا كَمَا ذَكَرْتُ مِنْ أَنَّهُ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، لَمْ يَكُنْ فِي قَوْلِهِ: {أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ} دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِ مَا قُلْنَا، لِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُقَالَ {السَّمَوَاتِ} وَالْمُرَادُ مِنْهَا وَاحِدَةٌ فَتُجْمَعُ، لِأَنَّ كُلَّ قِطْعَةٍ مِنْهَا سَمَاءٌ، كَمَا يُقَالُ: ثَوْبٌ أَخْلَاقٌ، وَقَمِيصٌ أَسْمَالٌ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ قِيلَ إِنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا، فَالسَّمَاوَاتُ جَمْعٌ، وَحُكْمُ جَمْعِ الْإِنَاثِ أَنْ يُقَالَ فِي قَلِيلِهِ: (كُنَّ) ، وَفِي كَثِيرِهِ (كَانَتْ) ؟ قِيلَ: إِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا صِنْفَانِ، فَالسَّمَاوَاتُ نَوْعٌ، وَالْأَرْضُ آخَرُ , وَذَلِكَ نَظِيرُ قَوْلِ الْأَسْوَدِ بْنِ يَعْفُرَ:
[البحر الكامل]
إِنَّ الْمَنِيَّةَ وَالْحُتُوفَ كِلَاهُمَا ... تُوفِي الْمَخَارِمَ يَرْقُبَانِ سِوَادِي
فَقَالَ: كِلَاهُمَا، وَقَدْ ذَكَرَ الْمَنِيَّةَ وَالْحُتُوفَ , لِمَا وَصَفْتُ مِنْ أَنَّهِ عَنَى النَّوْعَيْنِ. -[260]- وَقَدْ أُخْبِرْتُ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ مَعْمَرِ بْنِ الْمُثَنَّى قَالَ: أَنْشَدَنِي غَالِبٌ النُّفَيْلِيُّ لِلْقَطَامِيِّ:
[البحر الوافر]
أَلَمْ يَحْزُنْكَ أَنَّ حِبَالَ قَيْسٍ وَتَغْلِبَ قَدْ تَبَايَنَتَا انْقِطَاعَا
فَجَعَلَ حِبَالَ قَيْسٍ وَهِيَ جَمْعٌ وَحِبَالَ تَغْلِبَ وَهِيَ جَمْعٌ اثْنَيْنِ