الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأْتُهُ عَامَّةُ الْقُرَّاءِ الَّذِينَ قَرَءُوا: (وَأَنَّا) بِتَشْدِيدِ النُّونِ، وَ {أَنَا} [البقرة: 258] بِفَتْحِ الْأَلِفِ مِنْ «أَنَا» رَدًّا عَلَى: نُودِيَ يَا مُوسَى، كَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ عِنْدَهُمْ: نُودِيَ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ، وَأَنَا اخْتَرْتُكَ، وَبِهَذِهِ الْقِرَاءَةِ قَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ. وَأَمَّا عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَقَرَءُوهُ: {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ} [طه: 13] بِتَخْفِيفِ النُّونِ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ مِنَ اللَّهِ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ اخْتَارَهُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا قُرَّاءُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ، مَعَ اتِّفَاقِ مَعْنَيَيْهِمَا، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ الصَّوَابَ فِيهِ. وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: نُودِيَ أَنَّا اخْتَرْنَاكَ، فَاجْتَبَيْنَاكَ لِرِسَالَتِنَا إِلَى مَنْ نُرْسِلُكَ إِلَيْهِ فَاسْتَمِعْ إِلَى مَا يُوحَى يَقُولُ: فَاسْتَمِعْ لِوَحْيِنَا الَّذِي نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَعِهِ، وَاعْمَلْ بِهِ. {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ} [طه: 14] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّنِي أَنَا الْمَعْبُودُ الَّذِي لَا تَصْلُحُ الْعِبَادَةُ إِلَّا لَهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَلَا تَعْبُدْ غَيْرِي، فَإِنَّهُ لَا مَعْبُودَ تَجُوزُ أَوْ تَصْلُحُ لَهُ الْعِبَادَةُ سِوَايَ {فَاعْبُدْنِي} [طه: 14] يَقُولُ: فَأَخْلِصِ الْعِبَادَةَ لِي دُونَ كُلِّ مَا عُبِدَ مِنْ دُونِي