اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي الرَّافِعِ لِلذِّكْرِ، وَالنَّاصِبِ لِلْعَبْدٍ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ كَأَنَّهُ قَالَ: مِمَّا نَقَصُّ عَلَيْكَ ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ، وَانْتَصَبَ الْعَبْدُ بِالرَّحْمَةِ كَمَا تَقُولُ: ذِكْرُ ضَرْبِ زَيْدٍ عَمْرًا. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: رُفِعَتِ الذِّكْرُ بكهيعص، وَإِنْ شِئْتَ أَضْمَرْتَ هَذَا ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ، قَالَ: وَالْمَعْنَى ذِكْرُ رَبِّكَ عَبْدَهُ بِرَحْمَتِهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالْقَوْلُ الَّذِي هُوَ الصَّوَابُ عِنْدِي فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: الذِّكْرُ مَرْفُوعٌ بِمُضْمَرٍ مَحْذُوفٍ وَهُوَ هَذَا، كَمَا فُعِلَ ذَلِكَ فِي غَيْرِهَا مِنَ السُّوَرِ، وَذَلِكَ كَقَوْلِ اللَّهِ: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 1] وَكَقَوْلِهِ: {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا} [النور: 1] وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَالْعَبْدُ مَنْصُوبٌ بِالرَّحْمَةِ، وَزَكَرِيَّا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، لِأَنَّهُ بَيَانٌ عَنِ الْعَبْدِ، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: هَذَا ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا