أَكْثَرَهُمْ طَعَامًا، كَانَ خَلِيقًا أَنْ يَكُونَ الْأَفْضَلُ مِنْهُ عِنْدَهُ أَوْجَدَ، وَإِذَا شُرِطَ عَلَى الْمَأْمُورِ الشِّرَاءُ مِنْ صَاحِبِ الْأَفْضَلِ، فَقَدْ أُمِرَ بِشَرَاءِ الْجَيِّدِ، كَانَ مَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ مِنْهُ قَلِيلًا الْجَيِّدُ أَوْ كَثِيرًا، وَإِنَّمَا وَجَّهَ مَنْ وَجَّهَ تَأْوِيلَ أَزْكَى إِلَى الْأَكْثَرِ، لِأَنَّهُ وَجَدَ الْعَرَبَ تَقُولُ: قَدْ زَكَا مَالُ فُلَانٍ: إِذَا كَثُرَ، وَكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل]
قَبَائِلُنَا سَبْعٌ وَأَنْتُمْ ثَلَاثَةٌ ... وَلَلسَّبْعُ أَزْكَى مِنْ ثَلَاثٍ وَأَطْيَبُ
بِمَعْنَى: أَكْثَرُ، وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْحَلَالَ الْجَيِّدَ وَإِنَّ قَلَّ أَكْثَرُ مِنَ الْحَرَامِ الْخَبِيثِ وَإِنْ كَثُرَ. وَقِيلَ: {فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا} [الكهف: 19] فَأُضِيفَ إِلَى كِنَايَةِ الْمَدِينَةِ، وَالْمُرَادُ بِهَا أَهْلُهَا، لِأَنَّ تَأْوِيلَ الْكَلَامِ: فَلْيَنْظُرْ أَيَّ أَهْلِهَا أَزْكَى طَعَامًا لِمَعْرِفَةِ السَّامِعِ بِالْمُرَادِ مِنَ الْكَلَامِ. وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونُوا عَنَوْا بِقَوْلِهِمْ {أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا} [الكهف: 19] أَيُّهَا أَحَلُّ، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ كَانُوا فَارَقُوا قَوْمَهُمْ وَهُمْ أَهْلُ أَوْثَانٍ، فَلَمْ يَسْتَجِيزُوا أَكْلَ ذَبِيحَتِهِمْ