أَهْلُ الْكِتَابِ يُخَافِتُونَ، ثُمَّ يَجْهَرُ أَحَدُهُمْ بِالْحَرْفِ، فَيَصِيحُ بِهِ، وَيَصِيحُونَ هُمْ بِهِ وَرَاءَهُ، فَنَهَى أَنْ يَصِيحَ كَمَا يَصِيحُ هَؤُلَاءِ، وَأَنْ يُخَافِتَ كَمَا يُخَافِتُ الْقَوْمُ، ثُمَّ كَانَ السَّبِيلُ الَّذِي بَيْنَ ذَلِكَ، الَّذِي سَنَّ لَهُ جَبْرَائِيلُ مِنَ الصَّلَاةِ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصِّحَّةِ، مَا ذَكَرْنَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْخَبَرِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَصَحُّ الْأَسَانِيدِ الَّتِي رُوِيَ عَنْ صَحَابِيٍّ فِيهِ قَوْلُ مَخْرَجًا، وَأَشْبَهُ الْأَقْوَالِ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ التَّنْزِيلِ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110] عَقِيبَ قَوْلِهِ {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُو فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} وَعَقِيبَ تَقْرِيعِ الْكُفَّارِ بِكُفْرِهِمْ بِالْقُرْآنِ، وَذَلِكَ بُعْدُهُمْ مِنْهُ وَمِنَ الْإِيمَانِ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَالَّذِي هُوَ أَوْلَى وَأَشْبَهُ بِقَوْلِهِ {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110] أَنْ يَكُونَ مِنْ سَبَبِ مَا هُوَ فِي سِيَاقِهِ مِنَ الْكَلَامِ، مَا لَمْ يَأْتِ بِمَعْنًى يُوجِبُ صَرْفَهُ عَنْهُ، أَوْ يَكُونَ عَلَى انْصِرَافِهِ عَنْهُ دَلِيلٌ يُعْلَمُ بِهِ الِانْصِرَافُ عَمَّا هُوَ فِي سِيَاقِهِ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ، أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ، أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى، وَلَا تَجْهَرْ يَا مُحَمَّدُ بِقِرَاءَتِكَ فِي صَلَاتِكَ وَدُعَائِكَ فِيهَا رَبَّكَ وَمَسْأَلَتِكَ إِيَّاهُ، وَذِكْرِكَ فِيهَا، فَيُؤْذِيكَ بِجَهْرِكَ بِذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ، وَلَا تُخَافِتْ بِهَا فَلَا يَسْمَعُهَا أَصْحَابَكَ {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} [الإسراء: 110] وَلَكِنِ الْتَمِسْ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ طَرِيقًا إِلَى أَنْ تُسْمِعَ أَصْحَابَكَ، وَلَا يَسْمَعْهُ الْمُشْرِكُونَ فَيُؤْذُوكَ. وَلَوْلَا أَنَّ أَقْوَالَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ مَضَتْ بِمَا ذَكَرْتُ عَنْهُمْ مِنَ التَّأْوِيلِ، وَأَنَّا لَا