حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا، يُحَدِّثُنَا عَنْ لَيْلَةِ الْمَسْرَى بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ أَنَّهُ جَاءَهُ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ وَهُوَ نَائِمٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَقَالَ أَوَّلُهُمْ: أَيُّهُمْ هُوَ؟ قَالَ أَوْسَطُهُمْ: هُوَ خَيْرُهُمْ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: خُذُوا خَيْرَهُمْ، فَكَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةُ، فَلَمْ يَرَهُمْ حَتَّى جَاءُوا لَيْلَةً أُخْرَى فِيمَا يَرَى قَلْبَهُ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنَامُ عَيْنَاهُ، وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ وَلَا تَنَامُ قُلُوبُهُمْ فَلَمْ يُكَلِّمُوهُ حَتَّى احْتَمَلُوهُ فَوَضَعُوهُ عِنْدَ بِئْرِ زَمْزَمَ، فَتَوَلَّاهُ مِنْهُمْ جِبْرَئِيلَ عَلَيْهِ -[417]- السَّلَامُ، فَشَقَّ مَا بَيْنَ نَحْرِهِ إِلَى لَبَّتِهِ، حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَدْرِهِ وَجَوْفِهِ، فَغَسَلَهُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ حَتَّى أَنْقَى جَوْفَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ تَوْرٌ مَحْشُوٌّ إِيمَانًا وَحِكْمَةً، فَحَشَا بِهِ جَوْفَهُ وَصَدْرَهُ وَلَغَادِيدَهُ، ثُمَّ أَطْبَقَهُ ثُمَّ رَكِبَ الْبُرَاقَ، فَسَارَ حَتَّى أَتَى بِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَصَلَّى فِيهِ بِالنَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ إِمَامًا، ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَضَرَبَ بَابًا مِنْ أَبْوَابِهَا، فَنَادَاهُ أَهْلُ السَّمَاءِ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا جَبْرَائِيلُ، قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: أَوَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالُوا: فَمَرْحَبًا بِهِ وَأَهْلًا، فَيَسْتَبْشِرُ بِهِ أَهْلُ السَّمَاءِ، لَا يَعْلَمُ أَهْلُ السَّمَاءِ بِمَا يُرِيدُ اللَّهُ بِأَهْلِ الْأَرْضِ حَتَّى يُعْلِمَهُمْ، فَوَجَدَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا آدَمَ، فَقَالَ لَهُ جَبْرَائِيلُ: هَذَا أَبُوكَ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَرَدَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ وَأَهْلًا يَا بَنِي، فَنِعْمَ الِابْنُ أَنْتَ، ثُمَّ مَضَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جَبْرَائِيلُ بَابًا مِنْ أَبْوَابِهَا، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: جَبْرَائِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ، فَقِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ وَأَهْلًا، فَفَتَحَ لَهُمَا، فَلَمَّا صَعِدَ فِيهَا فَإِذَا هُوَ بِنَهَرَيْنِ يَجْرِيَانِ، فَقَالَ: مَا هَذَانِ النَّهْرَانِ يَا جَبْرَائِيلُ؟ قَالَ: هَذَا النِّيلُ وَالْفُرَاتُ عُنْصُرُهُمَا، ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةَ، فَاسْتَفْتَحَ جَبْرَائِيلُ بَابًا مِنْ أَبْوَابِهَا، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جَبْرَائِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: أَوَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ وَأَهْلًا، فَفُتِحَ لَهُ، فَإِذَا هُوَ -[418]- بِنَهَرٍ عَلَيْهِ قِبَابٌ وَقُصُورٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ وَزَبَرْجَدٍ وَيَاقُوتٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، فَذَهَبَ يَشُمُّ تُرَابَهُ، فَإِذَا هُوَ مِسْكٌ أَذْفَرُ، فَقَالَ: يَا جَبْرَائِيلُ مَا هَذَا الْنَّهْرُ؟ قَالَ: هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِي خَبَأَ لَكَ رَبُّكَ فِي الْآخِرَةِ، ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى الرَّابِعَةِ، فَقَالُوا بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى الْخَامِسَةِ، فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّادِسَةِ، فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّابِعَةِ، فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ وَكُلُّ سَمَاءٍ فِيهَا أَنْبِيَاءُ قَدْ سَمَّاهُمْ أَنَسٌ فَوَعَيْتُ مِنْهُمْ إِدْرِيسَ فِي الثَّانِيَةِ، وَهَارُونَ فِي الرَّابِعَةِ، وَآخَرَ فِي الْخَامِسَةِ لَمْ أَحْفَظِ اسْمَهُ، وَإِبْرَاهِيمَ فِي السَّادِسَةِ، وَمُوسَى فِي السَّابِعَةِ بِتَفْضِيلِ كَلَامِهِ اللَّهَ، فَقَالَ مُوسَى: رَبِّ لَمْ أَظُنَّ أَنْ يُرْفَعَ عَلَيَّ أَحَدٌ ثُمَّ عَلَا بِهِ فَوْقَ ذَلِكَ بِمَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، حَتَّى جَاءَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى، وَدَنَا بَابُ الْجَبَّارِ رَبِّ الْعِزَّةِ، فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ -[419]- مَا شَاءَ، وَأَوْحَى اللَّهُ فِيمَا أَوْحَى خَمْسِينَ صَلَاةً عَلَى أُمَّتِهِ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، ثُمَّ هَبَطَ حَتَّى بَلَغَ مُوسَى فَاحْتَبَسَهُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ مَاذَا عَهِدَ إِلَيْكَ رَبُّكَ؟ قَالَ: «عَهِدَ إِلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً عَلَى أُمَّتِي كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ» ، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، فَارْجِعْ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ وَعَنْهُمْ، فَالْتَفَتَ إِلَى جَبْرَائِيلَ كَأَنَّهُ يَسْتَشِيرُهُ فِي ذَلِكَ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ أَنْ نَعَمْ، فَعَادَ بِهِ جَبْرَائِيلُ حَتَّى أَتَى الْجَبَّارَ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ مَكَانَهُ، فَقَالَ: «رَبِّ خَفَّفَ عَنَّا، فَإِنَّ أُمَّتِي لَا تَسْتَطِيعُ هَذَا» فَوَضَعَ عَنْهُ عَشْرَ صَلَوَاتٍ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَاحْتَبَسَهُ، فَلَمْ يَزَلْ يَرُدُّهُ مُوسَى إِلَى رَبِّهِ حَتَّى صَارَتْ إِلَى خَمْسِ صَلَوَاتٍ، ثُمَّ احْتَبَسَهُ عِنْدَ الْخَمْسِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ قَدْ وَاللَّهِ رَاوَدْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الْخَمْسِ فَضَعُفُوا وَتَرَكُوهُ، فَأُمَّتُكَ أَضْعَفُ أَجْسَادًا وَقُلُوبًا وَأَبْصَارًا وَأَسْمَاعًا، فَارْجِعْ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ رَبُّكَ، كُلُّ ذَلِكَ يَلْتَفِتُ إِلَى جِبْرَئِيلَ لِيُشِيرَ عَلَيْهِ، وَلَا يَكْرَهُ ذَلِكَ جِبْرَئِيلَ، فَرَفَعَهُ عِنْدَ الْخَمْسِ، فَقَالَ: «يَا رَبِّ إِنَّ أُمَّتِي ضِعَافٌ أَجْسَادُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ وَأَسْمَاعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ، فَخَفِّفْ عَنَّا» ، قَالَ الْجَبَّارُ جَلَّ جَلَالُهُ: يَا مُحَمَّدُ، قَالَ: «لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ» ، فَقَالَ: إِنِّي لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ كَمَا كَتَبْتُ عَلَيْكَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ، وَلَكَ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرُ أَمْثَالِهَا، وَهِيَ خَمْسُونَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ، وَهِيَ خَمْسٌ عَلَيْكَ، فَرَجَعَ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: كَيْفَ فَعَلْتَ؟ فَقَالَ: «خَفَّفَ عَنِّي أَعْطَانَا بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا» ، قَالَ: قَدْ وَاللَّهِ رَاوَدَنِي بَنِي إِسْرَائِيلُ عَلَى أَدْنَى مِنْ هَذَا فَتَرَكُوهُ فَارْجِعْ -[420]- فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ أَيْضًا، قَالَ: «يَا مُوسَى قَدْ وَاللَّهِ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي مِمَّا أَخْتَلِفُ إِلَيْهِ» ، قَالَ: فَاهْبِطْ بِاسْمِ اللَّهِ، فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ أَسْرَى بِعَبْدِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَالْمَسْجِدُ الْحَرَامُ هُوَ الَّذِي يَتَعَارَفُهُ النَّاسُ بَيْنَهُمْ إِذَا ذَكَرُوهُ، وَقَوْلُهُ: {إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء: 1] يَعْنِي: مَسْجِدَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَقِيلَ لَهُ: الْأَقْصَى، لِأَنَّهُ أَبْعَدُ الْمَسَاجِدِ الَّتِي تُزَارُ، وَيَنْبَغِي فِي زِيَارَتِهِ الْفَضْلُ بَعْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ تَنْزِيهًا لِلَّهِ، وَتَبْرِئَةً لَهُ مِمَّا نَحَلَهُ الْمُشْرِكُونَ مِنَ الْإِشْرَاكِ وَالْأَنْدَادِ وَالصَّاحِبَةِ، وَمَا يَجِلُّ عَنْهُ جَلَّ جَلَالُهُ، الَّذِي سَارَ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنْ بَيْتِهِ الْحَرَامِ إِلَى بَيْتِهِ الْأَقْصَى. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي صِفَةِ إِسْرَاءِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَسْرَى اللَّهُ بِجَسَدِهِ، فَسَارَ بِهِ لَيْلًا عَلَى الْبُرَاقِ مِنْ بَيْتِهِ الْحَرَامِ إِلَى بَيْتِهِ الْأَقْصَى حَتَّى أَتَاهُ، فَأَرَاهُ مَا شَاءَ أَنْ يُرِيَهُ مِنْ عَجَائِبِ أَمْرِهِ وَعِبَرِهِ وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ، فَجُمِعَتْ لَهُ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ، فَصَلَّى بِهِمْ هُنَالِكَ، -[421]- وَعَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى صَعِدَ بِهِ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ، وَأَوْحَى إِلَيْهِ هُنَالِكَ مَا شَاءَ أَنْ يُوحِيَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِنْ لَيْلَتِهِ، فَصَلَّى بِهِ صَلَاةَ الصُّبْحِ.