الصَّبْرِ احْتِسَابًا وَابْتِغَاءَ ثَوَابِ اللَّهِ، لِأَنَّ اللَّهَ يُعَوِّضُهُ مِنَ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَنَالَهُ بِانْتِقَامِهِ مِنْ ظَالِمِهِ عَلَى ظُلْمِهِ إِيَّاهُ مِنْ لَذَّةِ الِانْتِصَارِ، وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِ: {لَهُوَ} [آل عمران: 62] كِنَايَةٌ عَنِ الصَّبْرِ وَحَسُنَ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَكَرَ قَبْلَ ذَلِكَ الصَّبْرَ لِدَلَالَةِ قَوْلِهِ: {وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ} [النحل: 126] عَلَيْهِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجَلِهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَقِيلَ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ أَوْ مُحْكَمَةٌ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَزَلَتْ مِنْ أَجْلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ أَقْسَمُوا حِينَ فَعَلَ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ أُحُدٍ مَا فَعَلُوا بِقَتْلَى الْمُسْلِمِينَ مِنَ التَّمْثِيلِ بِهِمْ أَنْ يُجَاوِزُوا فِعْلَهُمْ فِي الْمُثْلَةِ بِهِمْ إِنْ رُزِقُوا الظَّفَرَ عَلَيْهِمْ يَوْمًا، فَنَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَقْتَصِرُوا فِي التَّمْثِيلِ بِهِمْ إِنْ هُمْ ظَفَرُوا عَلَى مِثْلِ الَّذِي كَانَ مِنْهُمْ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ بِتَرْكِ التَّمْثِيلِ وَإِيثَارِ الصَّبْرِ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل: 127] فَنُسِخَ بِذَلِكَ عِنْدَهُمْ مَا كَانَ أَذِنَ لَهُمْ فِيهِ مِنَ الْمُثْلَةِ