الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا، وَتُوفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [النحل: 111] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ} [النحل: 111] تُخَاصِمُ عَنْ نَفْسِهَا، وَتَحْتَجُّ عَنْهَا بِمَا أَسْلَفَتْ فِي الدُّنْيَا مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، أَوْ إِيمَانٍ أَوْ كُفْرٍ {وَتُوفَّىَ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ} [النحل: 111] فِي الدُّنْيَا مِنْ طَاعَةٍ وَمَعْصِيَةٍ {وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [البقرة: 281] يَقُولُ: وَهُمْ لَا يُفْعَلُ بِهِمْ إِلَّا مَا يَسْتَحِقُّونَهُ وَيَسْتَوْجِبُونَهُ بِمَا قَدَّمُوهُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، فَلَا يُجْزَى الْمُحْسِنُ إِلَّا بِالْإِحْسَانِ، وَلَا الْمُسِيءُ إِلَّا بِالَّذِي أَسْلَفَ مِنَ الْإِسَاءَةِ، لَا يُعَاقَبُ مُحْسِنٌ، وَلَا يُبْخَسُ جَزَاءَ إِحْسَانِهِ، وَلَا يُثَابَ مُسِيءٌ إِلَّا ثَوَابَ عَمَلِهِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجَلِهِ قِيلَ «تُجَادِلُ» فَأَنَّثَ الْكُلَّ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: قِيلَ ذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَى كُلِّ نَفْسٍ: كُلُّ