الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [النحل: 9] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَعَلَى اللَّهِ أَيُّهَا النَّاسُ بَيَانُ طَرِيقِ الْحَقِّ لَكُمْ، فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ، فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَالسَّبِيلُ: هِيَ الطَّرِيقُ، وَالْقَصْدُ مِنَ الطَّرِيقِ: الْمُسْتَقِيمِ الَّذِي لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ، كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ:
[البحر الرجز]
فَصَدَّ عَنْ نَهْجِ الطَّرِيقِ الْقَاصِدِ
وَقَوْلُهُ: {وَمِنْهَا جَائِرٌ} [النحل: 9] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمِنَ السَّبِيلِ جَائِرٌ عَنِ الِاسْتِقَامَةِ مُعْوَجٌّ، فَالْقَاصِدُ مِنَ السَّبِيلِ: الْإِسْلَامُ، وَالْجَائِرُ مِنْهَا: الْيَهُودِيَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ مِلَلِ الْكُفْرِ كُلِّهَا جَائِرٌ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ وَقَصْدِهَا، سِوَى الْحَنِيفِيَّةِ الْمُسْلِمَةِ، وَقِيلَ: وَمِنْهَا جَائِرٌ، لِأَنَّ السَّبِيلَ يُؤَنَّثُ وَيُذَكَّرُ، فَأُنِّثَتْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَقَدْ كَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: وَإِنَّمَا قِيلَ: «وَمِنْهَا» لِأَنَّ السَّبِيلَ وَإِنْ كَانَ لَفْظُهَا لَفْظُ وَاحِدٍ فَمَعْنَاهَا الْجَمْعُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ