الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُعَرِّفًا خَلْقَهُ حُجَّتَهُ عَلَيْهِمْ فِي تَوْحِيدِهِ، وَأَنَّهُ لَا تَصْلُحُ الْأُلُوهَةُ إِلَّا لَهُ: خَلَقَ رَبُّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْعَدْلِ وَهُوَ الْحَقُّ مُنْفَرِدًا بِخَلْقِهَا لَمْ يُشْرِكْهُ فِي إِنْشَائِهَا وَإِحْدَاثِهَا شَرِيكٌ وَلَمْ يُعِنْهُ عَلَيْهِ مُعِينٌ، فَأَنَّى يَكُونُ لَهُ شَرِيكٌ {تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [النحل: 3] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: عَلَا رَبُّكُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ عَنْ شِرْكِكُمْ وَدَعْوَاكُمْ إِلَهًا دُونَهُ، فَارْتَفَعَ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلٌ أَوْ شَرِيكٌ أَوْ ظَهِيرٌ، -[165]- لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَهًا إِلَّا مَنْ يَخْلُقُ وَيُنْشِئُ بِقُدْرَتِهِ مِثْلَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَيَبْتَدِعُ الْأَجْسَامَ فَيُحْدِثُهَا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي قُدْرَةِ أَحَدٍ سِوَى اللَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ، الَّذِي لَا تَنْبَغِي الْعِبَادَةُ إِلَّا لَهُ، وَلَا تَصْلُحُ الْأُلُوهَةُ لِشَيْءٍ سِوَاهُ