: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ} [النمل: 48] قَالَ: «تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ، حَتَّى بَلَغَ الْآيَةَ» وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمْ قَوْمٌ اقْتَسِمُوا طُرُقَ مَكَّةَ أَيَّامَ قَدُومِ الْحَاجِّ عَلَيْهِمْ، كَانَ أَهْلُهَا بَعَثُوهُمْ فِي عِقَابِهَا، وَتَقَدَّمُوا إِلَى بَعْضِهِمْ أَنْ يَشِيعَ فِي النَّاحِيَةِ الَّتِي تَوَجَّهَ إِلَيْهَا لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْقَادِمِينَ عَلَيْهِمْ، أَنْ يَقُولَ: هُوَ مَجْنُونٌ: وَإِلَى آخَرَ: إِنَّهُ شَاعِرٌ، وَإِلَى بَعْضِهِمْ: إِنَّهُ سَاحِرٌ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعْلِمَ قَوْمَهُ الَّذِينَ عَضُّوا الْقُرْآنَ فَفَرَّقُوهُ، أَنَّهُ نَذِيرٌ لَهُمْ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ تَعَالَى وَعُقُوبَتِهِ أَنْ يَحِلَّ بِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ رَبَّهُمْ وَتَكْذِيبِهِمْ نَبِيَّهُمْ مَا حَلَّ بِالْمُقْتَسِمِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمِنْهُمْ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ عُنِيَ بِالْمُقْتَسِمِينَ: أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، لِأَنَّهُمُ اقْتَسَمُوا كِتَابَ اللَّهِ، فَأَقَرَّتِ الْيَهُودُ بِبَعْضِ التَّوْرَاةِ وَكَذَّبَتْ بِبَعْضِهَا، وَكَذَّبَتْ بِالْإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ، وَأَقَرَّتِ النَّصَارَى بِبَعْضِ الْإِنْجِيلِ وَكَذَّبَتْ بِبَعْضِهِ وَبِالْفُرْقَانِ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ عُنِيَ بِذَلِكَ: الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ، لِأَنَّهُمُ اقْتَسَمُوا الْقُرْآنَ، فَسَمَّاهُ بَعْضُهُمْ شِعْرًا وَبَعْضٌ كَهَانَةٌ وَبَعْضٌ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ عُنِيَ بِهِ الْفَرِيقَانِ وَمُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ عُنِيَ بِهِ الْمُقْتَسِمُونَ عَلَى صَالِحٍ مِنْ قَوْمِهِ.