ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ {وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ} [الحجر: 20] قَالَ: «الْوَحْشَ» فَتَأْوِيلُ «مَنْ» فِي: {وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ} [الحجر: 20] عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ بِمَعْنَى «مَا» ، وَذَلِكَ قَلِيلٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَأَوْلَى ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، وَأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ: عَنَى بِقَوْلِهِ: {وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ} [الحجر: 20] مِنَ الْعَبِيدِ، وَالْإِمَاءِ، وَالدَّوَابِّ، وَالْأَنْعَامِ، فَمَعْنَى ذَلِكَ: وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ، وَالْعَبِيدَ، وَالْإِمَاءَ، وَالدَّوَابَّ، وَالْأَنْعَامَ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، حَسُنَ أَنْ تُوضَعَ حِينَئِذٍ مَكَانَ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ وَالدَّوَابِّ «مَنْ» وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ تَفْعَلُ ذَلِكَ إِذَا أَرَادَتِ الْخَبَرَ عَنِ الْبَهَائِمِ مَعَهَا بَنُو آدَمَ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ وَصَرَفْنَا إِلَيْهِ مَعْنَى الْكَلَامِ إِذَا كَانَتْ «مَنْ» فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَطْفًا بِهِ عَلَى «مَعَايِشَ» بِمَعْنَى: جَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ، وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ -[39]- وَقِيلَ: إِنَّ «مَنْ» فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ عَطْفًا بِهِ عَلَى الْكَافِ وَالْمِيمِ فِي قَوْلِهِ: {وَجَعَلْنَا لَكُمْ} [الحجر: 20] بِمَعْنَى: وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ {وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ} [الحجر: 20] وَأَحْسِبُ أَنَّ مَنْصُورًا فِي قَوْلِهِ: هُوَ الْوَحْشُ، قَصَدَ هَذَا الْمَعْنَى وَإِيَّاهُ أَرَادَ، وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَجْهٌ كَلَامُ الْعَرَبِ فَبَعِيدٌ قَلِيلٌ، لِأَنَّهَا لَا تَكَادُ تَظَاهَرُ عَلَى مَعْنَى فِي حَالِ الْخَفْضِ، وَرُبَّمَا جَاءَ فِي شِعْرِ بَعْضِهِمْ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ، كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ:
[البحر الكامل]
هَلَّا سَأَلْتَ بِذِي الْجَمَاجِمِ عَنْهُمُ ... وَأَبِي نُعَيْمٍ ذِي اللِّوَاءِ الْمُخْرَقِ
فَرَدَّ أَبَا نُعَيْمٍ عَلَى الْهَاءِ وَالْمِيمِ فِي «عَنْهُمْ» ، وَقَدْ بَيَّنْتُ قُبَحَ ذَلِكَ فِي كَلَامِهِمْ