قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَكُلُّ هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ الثَّلَاثِ مُتَقَارِبَاتُ الْمَعَانِي، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ إِذَا نَزَّلَهَا اللَّهُ عَلَى رَسُولٍ مِنْ رُسُلِهِ تَنَزَّلَتْ إِلَيْهِ، وَإِذَا تَنَزَّلَتْ إِلَيْهِ فَإِنَّمَا تَنْزِلُ بِإِنْزَالِ اللَّهِ إِيَّاهَا إِلَيْهِ، فَبِأَيِّ هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ الثَّلَاثِ قَرَأَ ذَلِكَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ، الصَّوَابُ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كُنْتَ أُحِبُّ لِقَارِئِهِ أَنْ لَا يَعْدُو فِي قِرَاءَتِهِ إِحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرْتُ مِنْ قِرَاءَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْأُخْرَى الَّتِي عَلَيْهَا جُمْهُورُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْقِرَاءَةُ الْمَعْرُوفَةُ فِي الْعَامَّةِ، وَالْأُخْرَى: أَعْنِي قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ: (مَا تُنَزَّلُ) ، بِضَمِّ التَّاءِ مِنْ تُنَزَّلُ وَرَفْعُ الْمَلَائِكَةِ شَاذَّةٌ قَلِيلٌ مَنْ قَرَأَ بِهَا. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: مَا نُنَزِّلُ مَلَائِكَتَنَا إِلَّا بِالْحَقِّ، يَعْنِي بِالرِّسَالَةِ إِلَى رُسُلِنَا، أَوْ بِالْعَذَابِ لِمَنْ أَرَدْنَا تَعْذِيبَهُ وَلَوْ أَرْسَلْنَا إِلَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى مَا يَسْأَلُونَ إِرْسَالَهُمْ مَعَكَ آيَةً فَكَفَرُوا لَمْ يَنْظُرُوا فَيُؤَخَّرُوا بِالْعَذَابِ، بَلْ عُوجِلُوا بِهِ كَمَا فَعَلْنَا ذَلِكَ بِمَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ حِينَ سَأَلُوا الْآيَاتِ، فَكَفَرُوا حِينَ أَتَتْهُمُ الْآيَاتِ، فَعَاجَلْنَاهُمْ بِالْعُقُوبَةِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ