حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ: «إِنَّ هَذَا الْبَيْتَ أَوَّلُ مَنْ -[697]- وَلِيَهُ أُنَاسٌ مِنْ طَسْمٍ، فَعَصَوْا رَبَّهُمْ وَاسْتَحَلُّوا حُرْمَتَهُ، وَاسْتَخَفُّوا بِحَقِّهِ، فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ، ثُمَّ وَلِيَهُمْ أُنَاسٌ مِنْ جُرْهُمَ فَعَصَوْا رَبَّهُمْ وَاسْتَحَلُّوا حُرْمَتَهُ وَاسْتَخَفُّوا بِحَقِّهِ، فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ، ثُمَّ وَلِيتُمُوهُ مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ، فَلَا تَعْصُوا رَبَّهُ، وَلَا تَسْتَحِلُّوا حُرْمَتَهُ، وَلَا تَسْتَخِفُّوا بِحَقِّهِ فَوَاللَّهِ لَصَلَاةٌ فِيهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ بِغَيْرِهِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْمَعَاصِيَ فِيهِ عَلَى نَحْوٍ مِنْ ذَلِكَ» وَقَالَ: {إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} [إبراهيم: 37] وَلَمْ يَأْتِ بِمَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْفِعْلُ، وَذَلِكَ أَنَّ حَظَّ الْكَلَامِ أَنْ يُقَالَ: إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي جَمَاعَةً، أَوْ رَجُلًا، أَوْ قَوْمًا، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ مَعَ «مِنْ» لِدَلَالَتِهَا عَلَى الْمُرَادِ مِنَ الْكَلَامِ، وَالْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ مَعَهَا كَثِيرًا، فَتَقُولُ: قَتَلْنَا مِنْ بَنِي فُلَانٍ، وَطَعِمْنَا مِنَ الْكَلَإِ، وَشَرِبْنَا مِنَ الْمَاءِ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} [الأعراف: 50] فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ قَالَ إِبْرَاهِيمُ حِينَ أَسْكَنَ ابْنَهُ مَكَّةَ {إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ} [إبراهيم: 37] وَقَدْ رَوَيْتَ فِي الْأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْتَهَا أَنَّ إِبْرَاهِيمَ بَنَى الْبَيْتَ بَعْدَ ذَلِكَ بِمُدَّةٍ؟ قِيلَ: قَدْ قِيلَ فِي ذَلِكَ أَقْوَالٌ قَدْ ذَكَرْتُهَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، مِنْهَا أَنَّ مَعْنَاهُ: عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ الَّذِي كَانَ قَبْلَ أَنْ تَرْفَعَهُ مِنَ الْأَرْضِ حِينَ رَفَعْتَهُ أَيَّامَ الطُّوفَانِ، وَمِنْهَا: عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ الَّذِي قَدْ مَضَى فِي سَابِقِ عِلْمِكَ أَنَّهُ يَحْدُثُ فِي هَذَا الْبَلَدِ، وَقَوْلُهُ {الْمُحَرَّمُ} [إبراهيم: 37] عَلَى مَا قَالَهُ قَتَادَةُ مَعْنَاهُ: الْمُحَرَّمُ مِنِ اسْتِحْلَالِ حُرُمَاتِ اللَّهِ فِيهِ، وَالِاسْتِخْفَافِ بِحَقِّهِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015