الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا، إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِنْ تَعُدُّوا أَيُّهَا النَّاسُ نِعْمَةَ اللَّهِ الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْكُمْ لَا تُطِيقُوا إِحْصَاءَ عَدَدِهَا، وَالْقِيَامَ بِشُكْرِهَا، إِلَّا بِعَوْنِ اللَّهِ لَكُمْ عَلَيْهَا {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 34] يَقُولُ: إِنَّ الْإِنْسَانَ الَّذِي بَدَّلَ نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا لَظَلُومٌ: يَقُولُ: لَشَاكِرٌ غَيْرَ مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ، فَهُوَ بِذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ وَاضِعُ الشُّكْرِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي أَنْعَمَ عَلَيْهِ بِمَا أَنْعَمَ، وَاسْتَحَقَّ عَلَيْهِ إِخْلَاصَ الْعِبَادَةِ لَهُ، فَعَبَدَ غَيْرَهُ، وَجَعَلَ لَهُ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ، وَذَلِكَ هُوَ ظُلْمُهُ وَقَوْلُهُ: {كَفَّارٌ} [البقرة: 161] يَقُولُ: هُوَ جُحُودُ نِعْمَةِ اللَّهِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْهِ لِصَرْفِهِ الْعِبَادَةَ إِلَى غَيْرِ مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ، وَتَرْكُهُ طَاعَةَ مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ