حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} [إبراهيم: 9] قَالَ: «رَدُّوا عَلَى الرُّسُلِ مَا جَاءَتْ بِهِ» . وَكَأَنَّ مُجَاهِدًا وَجَّهَ قَوْلَهُ: {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} [إبراهيم: 9] إِلَى مَعْنَى: رَدُّوا أَيَادِي اللَّهِ الَّتِي لَوْ قَبِلُوهَا كَانَتْ أَيَادِي وَنِعِمًا عِنْدَهُمْ، فَلَمْ يَقْبَلُوهَا، وَوَجَّهَ قَوْلَهُ: {فِي أَفْوَاهِهِمْ} [إبراهيم: 9] إِلَى مَعْنَى: بِأَفْوَاهِهِمْ، يَعْنِي: بِأَلْسِنَتِهِمُ الَّتِي فِي أَفْوَاهِهِمْ، وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ سَمَاعًا: أَدْخَلَكَ اللَّهُ بِالْجَنَّةِ، يَعْنُونَ فِي الْجَنَّةِ، وَيُنْشَدُ هَذَا الْبَيْتُ:
[البحر الطويل]
وَأَرْغَبُ فِيهَا عَنْ لَقِيطٍ وَرَهْطِهِ ... وَلَكِنَّنِي عَنْ سِنْبِسٍ لَسْتُ أَرْغَبُ
يُرِيدُ: وَأَرْغَبُ فِيهَا: يَعْنِي أَرْغَبُ بِهَا عَنْ لَقِيطٍ، وَلَا أَرْغَبُ بِهَا عَنْ قَبِيلَتِي. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَضَعُونَ أَيْدِيَهُمْ عَلَى أَفْوَاهِ الرُّسُلِ رَدًّا عَلَيْهِمْ قَوْلَهُمْ، وَتَكْذِيبًا لَهُمْ وَقَالَ آخَرُونَ: هَذَا مَثَلٌ، وَإِنَّمَا أُرِيدَ أَنَّهُمْ كَفُّوا عَمَّا أُمِرُوا بِقَبُولِهِ مِنَ الْحَقِّ وَلَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ وَلَمْ يُسْلِمُوا، وَقَالَ: يُقَالُ الرَّجُلُ إِذَا أَمْسَكَ عَنِ الْجَوَابِ فَلَمْ يُجِبْ: رَدَّ يَدَهُ -[609]- فِي فَمِهِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: كَلَّمْتُ فُلَانًا فِي حَاجَةٍ فَرَدَّ يَدَهُ فِي فِيهِ: إِذَا سَكَتَ عَنْهُ فَلَمْ يُجِبْ، وَهَذَا أَيْضًا قَوْلٌ لَا وَجْهَ لَهُ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ذِكْرُهُ قَدْ أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: {إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ} [إبراهيم: 9] فَقَدْ أَجَابُوا بِالتَّكْذِيبِ. وَأَشْبَهُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُمْ رَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ، فَعَضُّوا عَلَيْهَا غَيْظًا عَلَى الرُّسُلِ، كَمَا وَصَفَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ إِخْوَانَهُمْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ فَقَالَ: {وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ} [آل عمران: 119] فَهَذَا هُوَ الْكَلَامُ الْمَعْرُوفُ وَالْمَعْنَى الْمَفْهُومُ مِنْ رَدِّ الْيَدِ إِلَى الْفَمِ